الجهة الثانية: أنه قد يقع بين بعض أصحاب السنة والجماعة -الذين هم في جمهور أمرهم على السنة- وبين مقالات أهل البدع اشتراك في الحروف واشتراك في المعنى، ولكنه من جهة الاشتراك في المعنى اشتراك كلي، فلا يلزم أن يطرد فيهم سائر التفصيل في هذا المعنى، فضلاً عن غيره؛ فإن ابن خزيمة لما قال ما قال في حديث الصورة لم يكن مبنى -وإن كان أراد اللفظ وأراد المعنى- المعنى عنده من جنس مبنى المعنى في تفسير الجهمية، فإن الجهمية إنما قالوا: على صورته -أي: على صورة آدم، أو لم يفسروه بما فسره السلف به- لأن هذا مبني عندهم على نفي الصفات عموماً، والصورة منها.
بخلاف ابن خزيمة رحمه الله؛ فإنه من أئمة التحقيق في إثبات الصفات، ولكنه في هذا الحرف من الحديث خرجه على هذا التوجيه، وهذا قد عُلم التعقب عليه عند السلف رحمهم الله.
إذاً: هذه مسألة ينبغي أن تضبط على هذا الوجه: وهي أن من شارك أهل البدع في بعض الحروف لا يلزم أن يكون مشاركاً في المعاني، ومن شارك في مجمل المعنى لا يلزم أن يكون مشاركاً في مفصله، وحتى من شارك في مجمله ومفصله فلا يلزم من ذلك -أي: في مفصل المعنى الواحد- أن يكون قد خرج بهذا التفصيل عن السنة والجماعة.