الاشتراك في الحروف لا يستلزم الاشتراك في المعاني

بل ثمة مقام آخر: أن الاشتراك في الحروف لا يستلزم الاشتراك في المعاني لا مجملاً ولا مفصلاً، ونضرب لذلك مثلاً: الجهمية كانوا يقولون: اللفظ بالقرآن مخلوق.

ويريدون باللفظ القرآن نفسه، وقد قال بعض أئمة السلف في هذه المسألة: اللفظ بالقرآن مخلوق.

كما قاله البخاري، ومن أنكر أن البخاري قال هذا فقد أخطأ، لكنه كان يريد اللفظ الذي هو من أفعال العباد، فإن البخاري عني بتقرير مسألة خلق أفعال العباد.

وكذلك قال بعض أهل البدع من القدرية: اللفظ بالقرآن غير مخلوق، وأرادوا به نفي الخلق لأفعال العباد، فقال بعض أئمة السنة كـ محمد بن يحيى الذهلي -وهو شيخ البخاري -: اللفظ بالقرآن غير مخلوق.

وأراد بقوله هذا أن القرآن نفسه -أي: كلام الله- ليس مخلوقاً.

إذاً: ثمة اشتراك في الحروف بين بعض أئمة السنة وبين بعض أرباب البدع الذين قصدوا بحروفهم هذه مقاصد بدعية تصل إلى حد الكفر، وهو التقرير لخلق القرآن مثلاً، وقد أجمع السلف على أن من قال: القرآن مخلوق؛ فإن قوله كفر.

وليس المراد هنا أن نقول: إن الذهلي أو البخاري أصابا، بل كان الصواب -كما هو مذهب جمهور السلف- الترك لهذه الجمل كما هو تقرير الإمام أحمد.

لكن الشاهد: أنه قد يقع في كلام بعض أئمة السنة مشاركة لبعض المجمل من كلام أهل البدع -بل أهل البدع المغلظة كالجهمية- ومع ذلك لا يجوز أن ينسب هذا القائل إلى مقاصد ومعاني أهل البدع، فضلاً عن أن ينسب إلى طريقتهم، وإنما يقال: هذا غلط في الألفاظ ..

هذه جهة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015