بِكَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فَتَأَمَّلْهُ وَانْظُرْهُ وَانْظُرْ بَحْثَهُ مَعَ شَيْخِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَإِنْ قُلْتَ) مَا سِرُّ كَوْنِهِ قَالَ قَوْلٌ يُوجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ وَلَمْ يَقُلْ عَلَى الْقَاضِي (قُلْتُ) الْحَاكِمُ أَعَمُّ مِنْ الْقَاضِي لِأَنَّ الْمُحَكِّمَ لَا يُقَالُ فِيهِ قَاضٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَالشَّهَادَةُ مُوجِبُهَا ثَابِتٌ عِنْدَهُ (فَإِنْ قُلْتَ) : قَوْلُهُ إنْ عُدِّلَ قَائِلُهُ هَلْ مَعْنَاهُ إنْ نُسِبَ التَّعْدِيلُ إلَيْهِ أَوْ عَلِمَ حَاكِمُهُ بِعَدَالَتِهِ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَكَيْفَ يَجِبُ ذَلِكَ عَلَى الْحَاكِمِ وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَمَنْ عُلِمَ عَدَالَتُهُ فَكَيْفَ يُقَالُ فِيهِ عَدْلٌ عِنْدَهُ (قُلْتُ) يَظْهَرُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ عُدِّلَ قَائِلُهُ نُسِبَ إلَى الْعَدَالَةِ وَمَعْنَى الْكَلَامِ أَنَّ التَّعْدِيلَ نُسِبَ إلَى الْقَائِلِ عِنْدَ الْحَاكِمِ نَفْسِهِ وَهَذِهِ الْحَيْثِيَّةُ الْمَذْكُورَةُ شَأْنُهَا أَنْ تُوجِبَ عَلَى الْحَاكِمِ الْحُكْمَ بِمُقْتَضَاهُ (فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ قَسَّمَ الْفُقَهَاءُ الشَّهَادَةَ إلَى أَقْسَامٍ أَحَدُهَا مَا لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا يَئُولُ إلَى مَالٍ وَهُوَ مَا لَا يَظْهَرُ لِلرِّجَالِ كَالْعُيُوبِ فِي النِّسَاءِ وَالْوِلَادَةِ وَقَالُوا إنَّ الْمَرْأَتَيْنِ كَافِيَتَانِ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ فَهَلْ هُوَ دَاخِلٌ فِي الْحَدِّ (قُلْتُ) ذَلِكَ شَهَادَةٌ شَرْعِيَّةٌ دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِ مَعَ تَعَدُّدِهِ (فَإِنْ قُلْتَ) الْقَاضِي إذَا ابْتَدَأَ بِالسُّؤَالِ فَهِيَ شَهَادَةٌ عَامَّةٌ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا تَعْدَادٌ حَتَّى مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ (قُلْتُ) ذَلِكَ عِنْدَهُمْ أَلْحَقُوهُ بِالْخَبَرِ وَفِيهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى عَلَيْك.

(فَإِنْ قُلْتَ) : قَوْلُهُ إنْ عُدِّلَ قَائِلُهُ كَيْفَ يَصِحُّ مَعَ الْقَوْلِ بِشَهَادَةِ الصَّبِيَّانِ فِي الْجِرَاحِ (قُلْتُ) ذَلِكَ رُخْصَةٌ وَالتَّعْرِيفُ لِلْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَمَا عُرِّضَ فِيهَا لِمَانِعٍ أَوْ رُخْصَةٍ لَا يُعَارِضُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَبَعْدَ أَنْ ذَكَرْت مَا فِي رَسْمِ الشَّيْخِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الشَّهَادَةِ وَجَدْت كَلَامًا لِلشَّيْخِ الْعَالِمِ الْعَامِلِ سَيِّدِي أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْزُوقٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِهِ عَلَى مُخْتَصَرِ خَلِيلٍ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ ذَكَرَهُ فِي الشَّهَادَةِ وَذَكَرَ حَدَّهَا شَيْخُنَا الْإِمَامُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ وَحَدُّ الشَّيْخِ الَّذِي صَوَّبَهُ غَيْرُ مُطَّرِدٍ لِدُخُولِ الْخَبَرِ الْمُوجِبِ سَمَاعُهُ حُكْمًا عَلَى الْحَاكِمِ فِيهِ عِنْدَ مَنْ يَشْتَرِطُ الْعَدَدَ كَالْجُبَّائِيِّ قَالَ وَكَذَلِكَ يَدْخُلُ فِيهِ مَا يُوجِبُ ذَلِكَ مِنْ الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ لِاشْتِرَاطِ الْعَدَدِ فِيهِ عِنْدَ الْجَمِيعِ (قُلْتُ) هَذَا بَعِيدٌ إيرَادُهُ إذَا تُؤُمِّلَ رَسْمُهُ إنَّمَا هُوَ لِلْحَقَائِقِ الشَّرْعِيَّةِ الْمَالِكِيَّةُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجَدَهُ أَيْضًا غَيْرَ مُنْعَكِسٍ لِخُرُوجِ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ بِأَنَّ هَذَا الشَّيْءَ لِفُلَانٍ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ بِهِ وَضْعُ الْقِيمَةِ وَالذَّهَابِ لِتَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ عَلَى عَيْنِهِ وَلَيْسَ فِيهِ تَعَدُّدٌ وَلَا يَمِينٌ (قُلْتُ) مَضَى لَنَا أَنَّ هَذَا فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ الْحُكْمُ بِمُقْتَضَى مَا شَهِدَ بِهِ وَإِنَّمَا أَوْجَبَ ذَلِكَ لَطْخًا وَكَذَلِكَ الْبَحْثُ فِيمَا ذَكَرَ بَعْدَهُ مِنْ الشَّاهِدِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015