لَا يَنْفَدُ حُكْمُهُ وَلَا يَجِبُ وَهَذِهِ الصِّفَةُ تُوجِبُ إيجَابًا شَرْعِيًّا إمْضَاءَ مَا حَكَمَ بِهِ الْمَوْصُوفُ بِهَا وَاحْتِرَامَهُ وَالصِّفَةُ الْحُكْمِيَّةُ تَثْبُتُ لِلْمَوْصُوفِ بَعْدَ ثُبُوتِ تَقْدِيمِهِ لِلْحُكْمِ فَتَقْدِيمُهُ لِلْحُكْمِ وَالْفَصْلِ إذَا كَانَ أَهْلًا هُوَ الْمُوجِبُ لِحُصُولِ الصِّفَةِ الْحُكْمِيَّةِ (فَإِنْ قُلْتَ) الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ مَا هُوَ هُنَا (قُلْتُ) الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ يُطْلَقُ عَلَى مَعَانِي خِطَابِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُتَعَلِّقِ إلَخْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ وَيُطْلَقُ عَلَى إلْزَامِ الْقَاضِي هُنَا أَمْرًا شَرْعِيًّا لِخَصْمٍ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا وَالْإِضَافَةُ تُعَيِّنُهُ لِقَوْلِهِ حُكْمُهُ الشَّرْعِيُّ وَأَخْرَجَ بِذَلِكَ غَيْرَ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ (فَإِنْ قُلْتَ) الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ يُطْلَقُ تَارَةً لِجَزْمِ الْقَاضِي بِمُجَرَّدِ إعْلَامِهِ بِهِ فَهَذَا فَتْوَى وَتَارَةً لِجَزْمِهِ بِهِ عَلَى وَجْهِ الْأَمْرِ بِهِ وَالْجَبْرِ عَلَيْهِ فَهَذَا حُكْمٌ فَصَارَ حُكْمُ الْقَاضِي هُوَ الْجَزْمُ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ عَلَى وَجْهِ الْأَمْرِ بِهِ وَالْجَبْرِ وَهَذَا لَا يُفِيدُهُ مَا وَقَعَ ذِكْرُهُ فِي رَسْمِ الْقَضَاءِ (قُلْتُ) قَرِينَةُ قَوْلِهِ نُفُوذَ تُعَيِّنُ الْحُكْمَ وَتُعَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَأْمُورُ بِهِ جَبْرًا (فَإِنْ قُلْتَ) : قَوْلُهُ نُفُوذَ حُكْمِهِ رُبَّمَا يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ غَيْرُ مُنْعَكِسٍ لِأَنَّ مُتَعَلِّقَ الْحُكْمِ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ تَغْيِيرُ أَمْرٍ عَنْ حَالِهِ أَمْ لَا فَإِنْ كَانَ فِيهِ فَهُوَ حُكْمٌ بِاتِّفَاقٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ذَلِكَ فَقِيلَ إنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ وَلَا حُرْمَةَ لَهُ وَيَصِحُّ مِنْ غَيْرِ الْقَاضِي الْحَاكِمِ أَنْ يَرُدَّهُ وَمِثَالُ ذَلِكَ نِكَاحُ مُحْرِمٍ إذَا أَمْضَاهُ قَاضٍ ثُمَّ رَفَعَ لِغَيْرِهِ فَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ هَذَا تَرْكٌ لَيْسَ حُكْمًا وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنَّهُ حُكْمٌ وَلَا يَفْسَخُهُ الْقَاضِي الثَّانِي وَيَجِبُ عَلَيْهِ إمْضَاؤُهُ (قُلْتُ) لَا يُرَدُّ ذَلِكَ وَالْحَدُّ لِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَغَيْرِهِ وَالصَّحِيحُ وَالْفَاسِدُ وَالْحُكْمُ لِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ التَّغْيِيرِ وَعَدَمِهِ وَتَأَمَّلْ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ شَاسٍ إذَا رَفَعَ نِكَاحَ امْرَأَةٍ لِقَاضٍ وَقَدْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ وَلِيٍّ فَقَالَ لَا أُجِيزُهُ وَلَمْ يَحْكُمْ بِفَسْخِهِ فَهَذَا لَيْسَ بِحُكْمٍ وَلَكِنَّهُ فَتْوَى وَتَبِعَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ هَارُونَ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ قَالَ الشَّيْخَ ذَلِكَ أَنَّهُ فَتْوَى فَلِمَنْ وُلِّيَ بَعْدَهُ نَقْضُهُ ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَمْ يَحْكُمْ وَالظَّاهِرُ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلثَّانِي نَقْضُهُ لِأَنَّ قَوْلَ الْأَوَّلِ لَا أُجِيزُهُ حِينَ رُفِعَ إلَيْهِ وَلَا أَفْسَخُهُ حُكْمٌ مِنْهُ بِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَالْكَرَاهَةُ أَحَدُ أَقْسَامِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ وَحُكْمُ الْمَكْرُوهِ عَدَمُ نَقْضِهِ بَعْدَ وُقُوعِهِ وَلَا سِيَّمَا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي حُكْمِ الْحَاكِمِ إذَا كَانَ مُتَعَلِّقُهُ تَرْكًا فَتَأَمَّلْ هَذَا الْكَلَامَ فَفِيهِ نَظَرٌ وَكَلَامُ ابْنِ شَاسٍ فِي قَوْلِهِ وَلَمْ يَحْكُمْ بِفَسْخِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ قَوْلَ الشَّيْخِ وَلَا أَفْسَخُهُ وَتَأَمَّلْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِمْ إنَّ الْقَاضِي لَا يَحْكُمُ بِالْمَكْرُوهِ