حجة أن الدوران دليل العلية أن اقتران الوجود بالوجود والعدم بالعدم يغلب على الظن أن المدار علية الدائر، بل قد يحصل القطع بذلك، لأن من ناديناه باسم فغضب ثم سكتنا عنه فزال غضبه ثم ناديناه به فغضب كذلك مراراً كثيرة، حصل الظن الغالب بأن علة غضبه إنّما هو ذلك الاسم الذي ناديناه به. ولذلك جزم الأطباء بالأدوية المسهلة والقابضة وجميع ما يعطونه من المبردات وغيرها بسبب وجود تلك الآثار عند وجود تلك العقاقير وعدمها عند عدمها، فالدوران أصل كبير في أمور الدنيا والآخرة، فإذا وجد بين الوصف والحكم جزمنا بعلية الوصف للحكم، أو نقول بعض الدوران حجة قطعاً كدوران قطع الرأس مع الموت في مجرى العادات، فوجب أن يكون جميع الدورانات حجة لقوله تعالى: «إن الله يأمر بالعدل والإحسان» (?) والعدل التسوية، وعدم الاختلاف إحسان للخلق بتوفر خواطرهم عن الفحص عن الفكرة في مدارك الفروق.

حجة المنع: أن بعض الدورانات ليس بحجة، فوجب أن يكون الجميع ليس بحجة إلاّ ما أجمعنا عليه، أما أن بعض الدورانات ليس بحجة، فإن الجوهر والعرض دائران كلّ واحد منهما مع الآخر وليس أحدهما علة للآخر، والحكم دائر مع شرطه وجزء علته، وليس أحدهما علة للآخر، وحركات الأفلاك دائرة مع الكواكب وليس أحدهما علة للآخر. وإذا كان كذلك وجب أن لا يكون فيها شيء حجة، فلأنه لو كان حجة للزم النقض بذلك البعض الآخر والنقض خلاف الدليل.

والجواب: أنا لا ندعي أن الدوران حجة إلاّ بوصف كونه لا نقطع بعدم عليه، والدوران الموصوف بهذه الصفة لم يوجد في صورة النقض فلا يتجه النقض، لأن من شرط النقض وجود الموجب بجميع صفاتهن وإن لم يوجد فلا نقض، فاندفع السؤال.

السادس: السبر والتقييم. وهو أن يقول إما أن يكون الحكم معللاً بكذا أو بكذا والكل باطل إلاّ كذا فيتعين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015