السبر معناه في اللغة الاختبار ومنه سمي ما يختبر به طول الجرح وعرضه مسباراً، وتقول العرب هذه القضية يسبر بها غور العقل: أي يختبر. والأصل أن نقول التقسيم والسبر، لأنا نقسم أولاً ثم نقول في معرض الاختبار لتلك الأوصاف الحاصلة في التقسيم هذا لا يصلح وهذا لا يصلح فتعين هذا، فالاختبار واقع بعد التقسيم، لكن التقسيم لما كان وسيلة للاختبار والاختبار هو المقصد. وقاعدة العرب تقديم الأهم والأفضل، قدم السبر لأنه المقصد الأهم، وأخر التقسيم لأنه وسيلة أخفض رتبة من المقصد، وهذه الطريقة مفيدة للعلة لأن الحكم مهما أمكن أن يكون معللاً لا يجعل تعبداً، وإذا أمكن إضافته للمناسب فلا يضاف لغير المناسب، ولم نجد مناسباً إلاّ ما بقي بعد السبر، فوجب كونه علة بهذه القواعد.
السابع: الطرد وهو عبارة عن اقتران الحكم بسائر صور الوصف، فليس مناسباً ولا مستلزم للمناسب، وفيه خلاف.
لأنه متى كان مناسباً كان ذلك طريقاً آخر غير الطرد، ونحن نقصد أن نثبت طريقاً آخر غير المناسبة، وكذلك لا يكون مستلزماً للمناسب، إذ لو كان مستلزماً للمناسب لكان هو الشبه، ونحن نقصد طريقاً غير الشبه. فمجرد الاقتران هو طريق مستقل على الخلاف.
حجة الجواز: أن الحكم لا بد له من علة وليس غير هذا الوصف عملاً بالأصل فتعين هذا الوصف نفياً للتعبد بحسب الإمكان، ولأن الاقتران بجميع الصور مع انتفاء ما يصلح للتعليل غير المقترن يغلب على الظن عليه ذلك المقترن والعمل بالراجح متعين.
حجة المنع: أن الأصل لا يعتبر في الشرائع إلاّ المصالح أو درء المفاسد، فما لم يعلم فيه تحصيل مصلحة ولا درء مفسدة وجب أن لا يعتبر، ولأن الصحابة رضوان الله عليهم إنّما نقل عنهم العمل بالمناسب، أما غير المناسب فلا، فوجب بقاؤه على الأصل في عدم الاعتبار.
الثامن: تنقيح المناط، وهو إلغاء الفارق فيشتركان في الحكم.