حجة القاضي: أن الشبه ليس بحجة لأن الدليل ينفي العمل بالظن مطلقاً لقوله تعالى: «إن الظن لا يغني من الحق شيئاً» (?) خالفناه في قياس المناسبة، فبقي قياس الشبه على موجب الدليل، ولأن الصحابة إنّما أجمعت على المناسب. أما الشبه فلا نوجب أن يكون حجة.
جوابه: أنه معارض لقوله تعالى: «فاعتبروا» لقوله عليه السلام: «نحن نحكم بالظاهر» وهو يفيد الظن فوجب أن يندرج في عموم النص، ولأنه مندرج في عموم قول معاذ بن جبل أجتهد رأيي، وهذا نوع من الاجتهاد.
الخامس: الدوران، وهو عبارة عن اقتران ثبوت الحكم مع ثبوت الوصف وعدمه مع
عدمه، وفيه خلاف، والأكثرون من أصحابنا وغيرهم يقول بكونه حجة.
مثاله: العنب حين كونه عصيراً ليس بمسكر ولا حرام، فقد اقترن العدم بالعدم، وإذا صار مسكراً صار حراماً، فقد اقترن الثبوت بالثبوت، فإذا تخلل لم يكن مسكراً ولا حراماً، فقد اقترن العدم بالعدم. فهذا هو الدوران في صورة واحدة وهي الخمر، وقد يقع في صورتين وهو دون الأوّل. مثاله: أن يدعى وجوب الزكاة في الحلي المتخذ لاستعمال مباح، فنقول الموجب لوجوب الزكاة في النقدين كونهما أحد الحجرين؛ لأن وجوب الزكاة دار مع كونه أحد الحجرين، وجوداً وعدماً، أما وجوداً ففي المسكوك هو أحد الحجرين والزكاة واجبة فيه، وأما عدماً فالعقار ليس أحد الحجرين ولا تجب الزكاة فيه، وإنما رجحت الصورة الأولى على هذه، لأن انتفاء الحكم بعد ثبوته في الصورة المعينة يقتضي أنه لم يبق معه ما يقتضيه في تلك الصورة وإلا لثبت فيها. أما إذا انتفى من صورة أخرى غير صورة الثبوت أمكن أن يقال إن موجب الحكم غير الوصف المدعى علة، أما ما ذكرتموه من الوصف لو فرض انتفاؤه لثبت الحكم بذلك الوصف الآخر، فما تعين عدم اعتبار غيره، بخلاف الصورة الواحدة.