ومع هذه الاحتمالات لا يقال للساكت موافق للقائل، وهو معنى قول الشافعي - رضي الله عنه -: «لا ينسب إلى ساكت قول» وإذا لم يكن إجماعاً لا يكون حجة، لأن قول بعض الأمة ليس بحجة.
حجة الجبائي أن السكوت ظاهر في الرضا لاسيما مع طول المدة، ولذلك قال عليه السلام في البكر «وإذنها صماتها» وإذا كان الساكت موافقاً كان إجماعاً وحجة، عملاً بالأدلة الدالة على كون الإجماع حجة.
حجة أبي هاشم: أنه ليس إجماعاً لاحتمال السكوت ما تقدم من غير الموافقة، وأما أنه حجة فإنه يفيد الظن والظن حجة لقوله عليه السلام: «أمرت أن أقضي بالظاهر» وقياساً على المدارك الظنية.
حجة أبي علي: أن الحاكم يتبع أحكامه ما يطلع عليه من أمور رعيته فربما علم في حقهم ما يقتضي عدم سماع دعواه لأمر باطن يعلمه، وظهاره الحال يقتضي أنه مخالف للإجماع، فكذلك في تحليفه وإقراره، وغير ذلك مِمّا انعقد الإجماع على قبوله، وأما المفتي فإنما يفتي بناء على المدارك الشرعية وهي معلومة عند غيره، فإذا رآه خالفها نبهه، وأما أمور الرعية وخواص أحوالهم فلا يطلع عليها إلاّ من ولي عليهم، فتلجئه الضرورة للكشف عنهم فلا يشاركه غيره في ذلك، فلا يحسن الإنكار عليه، ثم إنه قد يرى المذهب
المرجوح في حق هذا الخصم، هو الراجح المتعين في حق هذا الخصم لأمر اطلع عليه، ولا يمكن الاعتراض عليه لهذه الاحتمالات.
فإن قال بعض الصحابة قولاً ولم يعرف له مخالف، قال الإمام إن كان مِمّا نعم به البلوى ولم ينتشر ذلك القول فيهم، وفيهم فقيه مخالف لم يظهر (?) فيجري مجرى قول البعض وسكوت البعض، وإن كان مِمّا لا تعم به البلوى فليس بإجماع ولا حجة.