وانقراض العصر ليس شرطاً خلافاً لقوم من الفقهاء والمتكلمين لتجدد الولادة كلّ يوم فيتعذر الإجماع.
لنا: النصوص الدالة على كون الإجماع حجة، ولأن التابعين يولدون في زمن الصحابة ويصير منهم فقهاء قبل انقراض عصرهم، فيلزم أن لا ينعقد إجماع الصحابة دونهم، ثم عصر التابعين أيضاً كذلك فتتداخل الأعصار في بعضها، ولا ينعقد الإجماع.
احتجوا بأن الناس ما داموا أحياء فهم في مهلة النظر فلا يستقر الرأي فلا ينعقد الإجماع، ولأن الله تعالى يقول: «لتكونوا شهداء على الناس» (?) وأنتم تجعلونهم شهداء على أنفسهم.
والجواب عن الأوّل: أن اتفاق الآراء الآن دل على صحتها عملاً بأدلة الإجماع، فيكون ما عداها باطلاً فلا يفيد الانتقال إليه. وعن الثاني: أن كون الإنسان شاهداً على غيره لا يمنع من قبول قوله على نفسه، قال الله تعالى: «ولو على أنفسكم» (?) ثم المراد بهذه الآية الدار الآخرة، والشهادة على الأمم يوم القيامة، فلا تعلق لها بما نحن فيه.
وإذا حكم بعض الأمة وسكت الباقون فعند الشافعي والإمام ليس بحجة ولا إجماع، وعند الجبائي إجماع وحجة بعد انقراض العصر، وعند أبي هاشم ليس بإجماع، وهو حجة، وعند أبي علي بن أبي هريرة إن كان القائل حاكماً لم يكن إجماعاً ولا حجة، وإن كان غيره فهو إجماع وحجة.
حجة الأوّل: أن السكوت قد يكون لأنه في مهلة النظر، أو يعتقد أن قول خصمه مِمّا يمكن أن يذهب إليه ذاهب، أو يعتقد أن كلّ مجتهد مصيب، أو عنده منكر ولكن يعتقد أن غيره قام بالإنكار عنه، أو يعتقد أن إنكاره لا يفيد.