إذا كانت الفتوى مِمّا تعم بها البلوى بأن كان سببها عاماً كدم البراغيث وطين المطر والفصادة وكونها تنقض الطهارة ونحو ذلك. فشأن هذه الفتوى أن تنتشر بينهم لعموم سببها أو شموله لهم، وإذا لم تنتشر فبعضهم عنده علم تلك الفتوى لوجود سببها في حقه وهو إما موافق لما ظهر أو مخالف له، وقولي فيه مخالف غير هذه العبارة أجود، بل يقول فيه قائل: أما المخالف فلا يتعين لاحتمال أنه موافق، وأما إذا لم تعم به البلوى فيتخرج على الإجماع السكوتي، هل هو إجماع وحجة أم لا؟ وهذا الذي نقلته هو قول الإمام فخر الدين في المحصول، ولما كان مذهبه في الإجماع السكوتي أنه ليس إجماعاً ولا حجة، قال هنا كذلك، وهو يتخرج على الخلاف المتقدم.
وإذا جوزنا الإجماع السكوتي وكثير ممن لم يعتبر انقراض العصر في القولي اعتبره في السكوتي.
سبب الفرق أن الإجماع القولي قد صرح كلّ واحد بما في نفسه فلا معنى للانتظار، وفي السكوتي في احتمال أن يكون الساكت في مهلة النظر، فينتظر حتى ينقرض العصر، فإذا مات علمنا رضاه. قال الإمام فخر الدين: وهذا ضعيف؛ لأن السكوت إذا دل على الرضا دل في الحياة أو لا يدل، فلا يدل عند الممات.
والإجماع المروي بأخبار الآحاد المظنونة حجة خلافاً لأكثر الناس، لأن هذه الإجماعات وإن لم تفد العلم فهي تفيد الظن، والظن معتبر في الأحكام كالقياس وخبر الواحد، غير أنا لا نكفر مخالفها، قاله الإمام.
ولأنه حجة شرعية فيصح التمسك بمظنونه كما يصح بمقطوعه كالنصوص والقياس. حجة المنع: أن خبر الواحد إنّما يكون حجة في السنة وهذا ليس منها، ثم الفرق أن إجما عالأمة من الوقائع العظيمة فتتوفر الدواعي على نقلها، بخلاف وقائع أخبار الآحاد، فحيث نقل بأخبار الآحاد كان ذلك ريبة في ذلك النقل.
فإن قلت: الصحيح قبول خبر الواحد فيما تعم به البلوى، مع أنه مِمّا يتوفر الدواعي على نقله، فما الفرق؟
قلت: الفرق أن عموم البلوى أقل من الكل قطعاً.