لنا أن الصحابة رضوان الله عليهم اختلفوا في أمر الإمامة ثم اتفقوا عليها، فدل على ما قلناه، وأما المسألة الثانية فصُورتها أن يكو لأهل العصر الأوّل قولان ثم اتفق أهل العصر الثاني على أحد القولين، لنا أن هذا القول قد صار قول كلّ الأمة، لأن أهل العصر الثاني هم كلّ الأمة، فالصواب لا يفوتهم فيتعين قولهم، هذا حقاً وما عداه باطلاً.
حجة المخالف أن أهل العصر الأوّل قد اتفقوا على جواز الأخذ بكل واحد من القولين بدلاً عن الآخر، فالقول بحصر الحق في هذا القول خلاف الإجماع، ولقوله تعالى: «فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول» (?) ، وهذا حكم وقع فيه النزاع في العصر الأوّل فوجب رده إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله، ولا تحسم مادة النظر فيه لظاهر الآية ولقوله عليه السلام: «أصحابه كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم» وهذا عام سواء حصل بعدم إجماع أولا، ووجب إذا قال قائل بذلك القول المتروك أن يكون حقاً لظاهر الحديث.
والجواب عن الأوّل: أن تجويز الأخذ بكلا القولين مشروط بأن لا يحدث إجماع.
فإن قلت: يلزمك ذلك في الإجماع على القول الواحد أن يكون مشروطاً بعدم طريان الخلاف.
قلت: قد تقدم الجواب عنه.
وعن الثاني: أن موجب الرد هو التنازع، وقد ذهب بحصول الاتفاق فينتفي الرد.
وعن الثالث: لا نسلم أن قوله باقٍ في العصر الثاني بعد الاتفاق حتى يحسن الاقتداء به.