فهذه مدارك قطعية توجب حينئذ أن الحكم كان دائماً في اعتقادنا لا في نفس الأمر، فالناسخ مزيل للدوام في اعتقادنا لا في نفس الأمر، وحينئذ يكون النسخ كتخصيص العام، ولذلك قيل النسخ تخصيص في الأزمان، وهذا التفسير يحسن فيما يتناول أزماناً أما ما لا يكون إلاّ في زمن واحد كذبح إسحق عليه الصلاة والسلام (?) فلا يكون تخصيصاً في الأزمان، بل رافعاً لجملة الفعل بجميع أزمانه.
وهو واقع وأنكره بعض اليهود عقلاً وبعضهم سمعاً، وبعض المسلمين هؤلاء لما وقع من ذلك بالتخصيص. لنا أنه تعالى شرع لآدم تزويج الأخ بأخته غير توأمته، وقد نسخ ذلك.
أما وقوع النسخ فلأن الله تعالى أوجب وقوف الواحد منا للعشرة من الكفار في الجهاد، ثم نسخه بقوله تعالى: «الآن خفف الله عنكم» (?) وصار الحكم أن يقف الواحد منا للاثنين لقوله تعالى: «فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين» (?) ونسخ تعالى آيات الموادعة، ويقال إنها نيف وعشرون آية بآية السيف وهي قوله تعالى: «يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم» (?) وبغيرها من الآيات الدالة على القتال، وهو كثير في الكتاب والسنة.
وأما إنكار بعض اليهود له عقلاً فاحتجوا عليه بأنه النهي يعتمد المفاسد الخالصة أو الراجحة، فلو جاز نسخه بعد ذلك لزم تجويز أرم الله تعالى وإذنه في فعل المفاسد الخالصة أو الراجحة، وذلك على الله تعالى محال، بناءً على التحسين والتقبيح، وقالوا عبارة عامة: إن الفعل إما أن يكون حسناً أو قبيحاً، فإن كان حسناً استحال النهي عنه، أو قبيحاً استحال الإذن فيه، فالنسخ محال على التقديرين.