الذهنيّة الأمور الخارجية، لأن الأصل مطابقتها لها. فإذا قال القائل قام القوم، فهمنا أنه حكم بذلك، ثم يستدل بظاهر حاله على أنه صادق في مقاله؛ فيعتقد أن القوم قاموا في الخارج، فإذا كان اللفظ إنّما يفيد المعاني الخارجية بواسطة إفادته للمعاني الذهنيّة، فهي حينئذ إنّما تستفاد
بوسط، وإفادة اللفظ للحكم بغير وسط، فصرف الاستثناء لما هو مستغن عن الوسط أولى من صرفه للأمور الخارجية المحتاجة للوسط، فإذا صرفناه للحكم أفاد رفع ذلك الحكم، وإن صرفناه للقيام في الخارج أفاد عدم القيام في الخارج، والأول أولى لاستغنائه، وهو المطلوب؛ فيكون الاستثناء من النفي ليس بإثبات وهو المطلوب.
وجوابه: أن هذا ترجيح لخلاف المتبادر إلى الأفهام من اللغات، والمبادرة أولى، ولربما احتجوا بقوله عليه الصلاة والسلام: «لا صلاة إلاّ بطهور» و «لا نكاح إلاّ بولي» ونحو ذلك من النصوص، وقالوا لو كان الاستثناء من النفي إثباتاً لزم ثبوت صحة الصلاة عند الطهور، وصحة النكاح عند وجود الولي، وهو خلاف الإجماع، ولأن تخلف المدلول عن الدليل خلاف الأصل، وهذه حجة قويّة في ظاهر الحال (?) .
فائدة: قول العلماء الاستثناء من النفي إثبات ليس على إطلاقهن لأن الاستثناء يقع من الأحكام نحو قام القوم إلاّ زيداً، ومن الموانع نحو لا تسقط الصلاة عن المرأة إلاّ بالحيض، ومن الشروط نحو لا صلاة إلاّ بطهور، فالاستثناء من الشروط مستثنى من كلام العلماء، فإنه لا يلزم من القضاء بالنفي لأجل عدم الشرط أن يقضى بالوجود لأجل وجود الشرط، لما تقدم أن الشرط لا يلزم من وجوده وجود ولا عدم؛ فقول العلماء الاستثناء من النفي إثبات يختص بما عدا الشروط، لأنه لم يقل أحد من العلماء أنه يلزم من وجود الشروط وجود المشروط، وبهذه القاعدة يحصل الجواب عن شبهة الحنفية، فإن النصوص التي ألزمونا إياها كلها من باب الشروط، وهي ليست من صور النزاع فلا تلزمنا.
فائدة: قلت لفضلاء الحنفية كيف تقولون في الاستثناء المفرغ نحو ما قام إلاّ