الجلاب، كله في الاستثناء، فيه أحد وخمسون باباً، ونحو أربعمائة مسألة، فهذه المسألة في ظاهرها تقتضي أنها على خلاف هذه القاعدة، وفي الحقيقة لم يجر فيها استثناء الكل من الكل، لما تقدم أنه إنّما استثنى الصفة وهو بعض ما نطق به.
والاستثناء من الإثبات نفي اتفاقاً، ومن النفي إثبات خلافاً لأبي حنيفة - رحمه الله - ومن أصحابه المتأخرين من يحكي التسوية بينهما في عدم إثبات نقيض المحكوم به بعد إلاّ.
لنا أنه المتبادر عرفاً فيكون لغة، لأن الأصل عدم النقل والتغيير، واعلم أن الكل اتفقوا على إثبات نقيض ما قبل الاستثناء لما بعده، ولكنهم اختلفوا، فنحن نثبت نقيض المحكوم به، والحنفية يثبتون نقيض الحكم، فيصير ما بعد الاستثناء غير محكوم عليه بنفي ولا إثبات.
إذا قلنا قام القوم إلاّ زيداً، فقد اتفقوا على أن إلاّ مخرجة وزيداً مخرَج وما قبل إلاّ مخرج منه، غير أنه قد تقدم قبل إلاّ (القيام) والحكم به. والقاعدة أن ما خرج من نقيض دخل في النقيض الآخر، فما خرج من العدم دخل في الوجود وما خرج ن الوجود دخل في العدم.
واختلفوا في أن زيداً هل هو مخرج من القيام وهو مذهبنا، أو من الحكم به وهو مذهبهم. فعندما لما خرج من القيام دخل في عدم القيام فهو غير قائم، وعندهم خرج من الحكم فدخل في عدم الحكم فهو غير محكوم عليه.
لنا أنه لو كان الاستثناء من النفي ليس إثباتاً لم تفد كلمة الشهادة الإسلام، لأنه لا يلزم أن يكون الله تعالى محكوماً له باستحقاق العبادة؛ لأنه حينئذ مستثنى من الحكم فهو غير محكوم عليه بشيء. ولأنه لو قال عند الحاكم ليس له عندي إلاّ مائة درهم، لم يفهم الحاكم إلاّ أنه اعترف بالمائة، وعلى رأيهم لا يكون اعترافاً بشيء، بل حكم على غير المائة بالنفي والمائة مسكوت عنها.
احتجوا بأن الألفاظ اللغوية إنّما تفيد الأحكام الذهنيّة، وتفيد الأحكام