الاستعلاء ولا العلو، والاستعلاء في هيئة الأمر من الترفع وإظهار القهر؛ والعلو يرجع على هيئة الآمر من شرفه وعلو منزلته بالنسبة إلى المأمور.

قال القاضي عقد الوهاب في الملخص: الذي عليه أهل اللغة وجمهور أهل العلم اشتراط العلو واختاره هو أيضاً أعني القاضي عبد الوهاب، وقال الإمام فخر الدين إن الذي عليه المتكلمون أنه لا يشترط لا علو ولا استعلاء لأنه صيغة موضوعة لمعنى، فيصح مع هذه الصفات وأضدادها كالخبر والاستفهام والترجي والتمني، فإنها تصدق مع العلو والدنو والاستعلاء والتواضع، ولا يختلف الحال بحسب اختلاف حال المتكلمين بها، حجة العلو أنه لا يحسن في العادة أمرت الله إذا دعوته، ولا أمرت الملك ولا أمير المدينة، مع أن قولنا اهدنا واغفر لنا يا ربنا هي صيغة الأمر، وكذلك مخاطبات الملوك والأمراء، ولما تعذر تسمية ذلك أمراً في العرف وجب أن يقال إنه لغة كذلك، لأن الأصل عدم النقل والتغيير، فوجب أن يكون العلو شرطاً وتكون هذه الصيغة مع الدنو مسألة، وفي حق الله تعالى خاصة تسمى دعاء، ومع التساوي تسمى التماساً.

حجة الاستعلاء في أن من صدر منه الأمر برفق لا يقال آمر ومع الاستعلاء يقال له آمر، ولذلك يصفون من فعل ذلك بالحمق، ويقولون للعبد أتأمر سيدك إذا استعلى في لفظه، وإذا لم يستعل لا يقولون له ذلك، فدل على أن الاستعلاء شرط، ويرد على الفريقين أن الله تعالى يقال لهذه الصيغة في كتابه أمر إجماعاً، مع أن الله تعالى خاطب عباده أحسن الخطاب وألينه، فقال «اتفقوا الله الذي تساءلون به» (?) وفي موضع آخر «الذي خلقكم من نفس واحدة» إلى غير ذلك من التذكير بجميل نعمه وجزيل إحسانه، ومعلوم أن هذا ضد الاستعلاء، وقالت بلقيس لقومها «ماذا تأمرون» (?) وهي أعلى منهم، وقال دريد بن الصمة:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015