وغيره، وقيل يشترط في ذلك أن يكون وجوباً لا ندباً، حكاه القاضي أبو بكر، وقال: ويشترط فيه أيضاً أن يكون مضيقاً لأن الموسع لا ينهى عن ضده لقبول الوقت لهما، وقال القاضي هو نهي عن ضده كان وجوباً أو ندباً، وقالت إن كان وجوباً نظاهر وإن كان ندباً يكون النهي عن الضد على سبيل الكراهة، وفي الأول على سبيل التحريم.
ومن محاسن العبارة في هذه المسألة أن يقال: إن الأمر بالشيء نهي عن جميع أضداده، والنهي عن الشيء أمر بأحد أضداده، فإذا قال له اجلس في البيت فقد نهاه عن الجلوس في السوق والحمام والمسجد والطريق وجميع المواضع، فإذا قال لا تجلس في البيت؛ فقد أمره بالجلوس في أحد المواضع ولم يأمره بالجلوس في كلها. لنا أن الأمر بالشيء يدل على الوجوب؛ ومن لوازم الوجوب ترك جميع الأضداد، والدال على الشيء دال على لوازمه؛ فالأمر دال بالالتزام على ترك جميع الأضداد.
احتجوا بأن الآمر بالشيء قد يكون غافلاً عن ضده والغافل عن الشيء لا ينهى عنه.
وجوابه: أن القصد إنما يشترط في الدلالة باللفظ التي هي استعمال اللفظ، أما دلالة اللفظ فلا، وهذا من قبيل دلالة اللفظ لا من قبيل الدلالة باللفظ، وقد تقدم الفرق بينهما، وأن دلالة الالتزام من هذه دون تلك.
واعلم أن هذه المباحث تتعلق بالكلام اللساني. أما الكلام القديم النفساني فنفس الأمر هو نفس ما هو نهي؛ لأن كلام الله تعالى واحد، ولا يقال بالالتزام بل هو هو، ولا دلالة للنفساني توصف بالتزام (?) ولا مطابقة، بل الفرق بينهما من حيث التعلق فقط والحقيقة واحدة.
ولا يشترط فيه علو الآمر، خلافاً للمعتزلة، واختار الباجي من المالكية والإمام فخر الدين وأبو الحسين والمعتزلة الاستعلاء، ولم يشترط غيرهم