قوله: والقسم الأول من كل زوج منه يعتمد إلى الغشاء المستبطن للصماخ يريد القسم الأول من كل فرد من فردي الزوج الخامس، وإنما قال من كل زوج لأن كل فرد من هذين زوج كما قلناه أو لاً ويريد بالقسم الأول لا ما هو أولى في الخروج أو الظهور ونحو ذلك بل ما هو أولى في الكلام فيه، ويريد بكونه يعمد إلى الغشاء أنه يذهب إلى هناك ليكون ذلك الغشاء منه ومن الجزء من الأم الغليظة الذي يصحبه، وذلك لأن هذا الجزء من العصب وهو الذي يسمى عصب السمع، يدخل إلى ثقب السمع من قدام ومعه جزء من الأم الغليظة، فيعرضان معاً ويغشيان الصماخ.
قوله: وهذا القسم منبته بالحقيقة من الجزء المؤخر من الدماغ يريد الجزء المؤخر لا البطن المؤخر بل القسم الذي ينفصل عن المقدم باندراج الحجاب بينهما، وهذا الجزء يقع في بعضه مؤخر البطن المقدم، ومنه ينبت هذا الزوج فلذلك لا منافاة كما قلنا أو لاً بين قوله ها هنا، وقوله في الكتاب الثالث: إن عصبة السمع تنبت من مقدم الدماغ، إذ يريد هناك بالمقدم البطن المقدم وذلك البطن يقع آخره في الجزء المؤخر.
قوله: وهو الثقب الذي يسمى الأعور والأعمى لشدة التوائه وتعريج مسلكه. هذه التسمية على سبيل المشابهة وذلك لأن هذا الثقب يشبه الأعمى من جهة أنه لا يسلك طريقه على الاستقامة بل يميل يميناً وشمالاً وغير ذلك.
وقد ذكر الشيخ ها هنا مسألتين: إحداهما: ما السبب في خلقة الذوق أي حس الذوق في العصبة أي الشعبة الرابعة من الزوج الثالث، وخلق حس السمع في الزوج الخامس؟ وأجاب: بأن آلة السمع تحتاج أن تكون مكشوفة، وآلة الذوق مخبأة وبيان هذا أن السمع إنما يتم بأن يصل إلى الصماخ بتموج الهواء الحامل للصوت، وإنما يكون ذلك بأن يكون للهواء مدخل إلى هناك، فلا بد وأن يكون هذا المدخل مفتوحاً دائماً ليكون للإنسان إدراك الأصوات في أي وقت حدثت.
وأما الذوق فإنه إنما يدرك بأن ينحل من الجسم الحامل للطعم أجزاء تخالط الرطوبة العذبة التي في الفم وينفذ معها إلى العصب الذي فيه فتدرك كيفية تلك الأجزاء. وإنما يكون ذلك إذا كان وضع اللسان في الفم ومن لا يحتاج أن يكون دائماً بل إنما تحتاج إلى فتحة لإدراك الطعم إذا أريد إدخال المطعوم في الفم، فلذلك كانت هذه الآلة محرزة موقاة بالفم، وآلة السمع ليست كذلك وذلك موجب أن تكون آلة السمع أصلب لتكون عن قبول الآفات أبعد.
أقول: وها هنا أيضاً سبب آخر وهو أن إدراك الصوت إنما يتم بانفعال العصب عن تموج الهواء الراكد في الأذن تبعاً لتموج الهواء الحامل للصوت، وهذا التموج لا يخلو من قرع فلو كان عصبه ليناً جداً لتضرر بذلك وبكيفية ذلك الهواء في حره وبرده ولا كذلك إدراك لطعم.
وثانيتهما: ما السبب في الاكتفاء في عضلات العين بعضلة واحدة ولم يفعل ذلك في عضل الصدغين بل جعل من الزوج الثالث والخامس من الجزء الثاني من كل واحد منهما؟ وأجاب: بأن عصب عضلات العين يحتاج أن يكون مخرجه من نقرة العين وهذه النقرة فيها ثقب واسع لأجل الزوج الأول. فلو جعل فيها ثقوب كثيرة لاشتد ضعفها ولا كذلك عضل الصدغين فإن مخرج عصبها من العظم الحجري وهو مما يحتمل ثقوباً كثيرة لصلابته.
ولقائل أن يقول: إن عصب عضلات العين إنما احتيج إلى خروجه من النقرة لأنه عصب واحد يحتاج أن يكون بعد خروجه إلى جميع تلك العضلات متقارباً وإنما يكون كذلك إذا كان من النقرة. أما لو كان أعصاباً كثيرة لكان مخرج كل واحد منها يجب أن يكون من جهة العضلة التي يأتي إليها فلا يكون في النقرة ثقوب كثيرة وأيضاً فإن العظم الحجري كما احتمل أن يكون فيه ثقوب كثيرة كذلك هو أيضاً محتمل لان يكون فيه ثقب واسع فيه يخرج منه عصب واحد يكفي عضلات الصدغ. والله ولي التوفيق.
البحث السادس تشريح الزوج السادس قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وأما الزوج السادس فإنه ينبت ... إلى قوله: وأما الزوج السابع فمنشؤه من.
الشرح