قد اتفق إن كانت الأزواج التي من الجزء المؤخر من الدماغ على النسبة التي من الجزء المقدم منه، فكما أن تلك الأجزاء الثلاثة الأولى منها قصيرة جداً، والثالث طويل جداً والثاني كالمتوسط بينهما في الطول كذلك هذه الثلاثة الأول منها، وهو رابع الأزواج الدماغية قصير جداً بالنسبة إلى الآخرين والثالث طويل جداً، والثاني كالمتوسط بينهما وذلك لتكون قسمة العصب على الوجه العدل، وكانت الثلاثة التي في الجزء الأول يجب فيها أن تكون في الطول على ما قلناه. لأن الأول منها إنما يأتي العينين فلا يجوز أن يكون أكثر طولاً مما عليه. والثالث: يأتي الأحشاء الباطنة فيجب أن يكون طوله كبيراً جداً. والثاني يأتي عضلات العينين ولا يصلح لغيرها. وتلك العضلات أبعد مكاناً من العينين فيجب أن يكون أطول من الأول، وأقصر من الثالث، وإذا كان كذلك وجب أن تكون أزواج الجزء الثاني كذلك إذ لا سبب يوجب اختلاف حال الجزأين لكونهما يختلفان في شيء وذلك لأن أزواج الجزء المؤخر أطول وتدارك ذلك أن جعلت أدق من أزواج الجزء المقدم فتكون أزواج الجزأين كالمتكافئة.
قوله: متصلاً بالخامس مشدوداً معه بأغشية وأربطة، إني إلى الآن لا أعرف لهذا الاتصال والارتباط حكمة، بل ولا أتحقق صحته فإن منشأ هذا الزوج خلف منشأ الخامس ومخرجه خلف مخارجه فلم يتقدم حتى يرتبط بالخامس ثم يتأخر ليخرج؟ وليس لقائل أن يقول: إن فائدة ذلك أن يعتضد كل واحد من الزوجين بالآخر ويقوى به، لأنا نقول: لو احتيج في هذين الزوجين إلى ذلك لكانت الحاجة إليه في الأزواج الأولى أولى لأنها أضعف لأجل لينها، ويخرج من الثقب الذي في منتهى الدرز اللامي كل واحد من فردي هذا الزوج ينقسم في داخل القحف إلى ثلاثة أقسام ويخرج الثلاثة جملة من ثقب في طرف الضلع اللامي من أسفل وذلك لان ثقب الجانب الأيمن منه الفرد الأيمن وثقب الجانب الأيسر يخرج منه الفرد الأيسر.
قوله: ليعاضد الزوج السابع على تحريكها. إن العمدة في تحريك عضل الحلق واللسان على الزوج السابع إذ الآتي إليه ذلك عصب عظيم والآتي إليه من هذا الزوج دقيق جداً، فلذلك جعله معاضداً للزوج السابع في التحريك لا أصلاً فيه.
قوله: وأتت العضل العريضة الحنجرية التي رؤوسها إلى فوق يريد بهذه الرؤوس مبادئ العضل وهي التي تنشأ منها، وللحنجرة قريب من عشرين عضلة منها ما هو موضوع عرضاً ومنها ما هو موضوع وراباً ومنها ما هو موضوع طولاً. وهذا الطول مستوياً منه ما يبتدئ من فوق ويحرك الحنجرة بطرفه الأسفل، وهو العضلات الآتية من العظم اللامي إلى الغضروف الدرقي، وكذلك المنحدرة من ذلك العظم، ومن الغضروف الدرقي، وفعلها رفع الحنجرة وغضاريفها.
وهذه تحتاج أن يأتيها العصب من فوق فلذلك ظاهر من أمرها أن عصبها يحتاج أن يكون من الدماغ. وينبغي أن يكون من هذا الزوج لأن ما قبله فمخارجه من قدام هذه العضلات وما بعده فمخرجها من خلفها وإذا كان كذلك فلو جعلت هذه العضلات من أحدها لكان إنما يأتيها مؤرباً فكان تحريك هذا العضل يكون كذلك.
قوله: فإذا جاوزت الحنجرة صعد منها شعب تأتي العضل المنكسة للحنجرة التي رؤوسها إلى أسفل وهي التي لا بد منها في إطباق الطرجهالي وفتحه إذ لا بد من جذب إلى أسفل، ومن العضل الموضوع طولا ما يبتدئ من أسفل، ويحرك بطرفه العالي.
وقد قال جالينوس في أو اخر كتابه في منافع الأعضاء إن هذا العضل هوا لذي يربط أطراف الغضروف الدرقي السفلية بالذي لا اسم له، وهو مشكل فإن ذلك العضل يتحرك مؤرباً وهذا العضل الذي ينفذ من أسفل ويتحرك بطرفه العالي قد كان يمكن أن يأتيه العصب من نخاع العتق، ومن نخاع الصدر، ولكن العصب من هناك إنما يخرج من جانبي الفقار كما بيناه فيحتاج في مجيئه إلى هذا العضل إلى أن يمر أو لاً إلى قدام، وإلى وسط ما بين اليمنى واليسرى حتى يحاذي مبادئ هذه العضلات ثم يصعد إليها مستقيماً، وذلك ليمكن أن يكون تحريكه على الاستقامة فلذلك جعل من هذا الزوج لأن مرور هذا الجزء منه في قرب ذلك العضل فلا يحتاج في صعود ما يتشعب من شعبه إلى مبادئ تلك العضلات إلى مرور إلى جهة أخرى فكان يكون هذه العضلات من هذا العصب أولى.