قوله: فمنشؤه الحد المشترك بين مقدم الدماغ، ومؤخر الدماغ مقسوم في طوله وعرضه. وذلك أنه ينقسم إلى قسمين يميناً وشمالاً لك أن تسميهما جزأين ولك أن تسميهما بطنين. وقد جعل بينهما حاجز، وهو الحجاب القاسم للدماغ، وتنقسم أيضاً ما بين أو له وآخره إلى أجزاء وإلى بطون. أما الأجزاء فجزآن أحدهما من قدام والآخر من خلف والظاهر أنهما كالمتساويين في المساحة لست أعني مساحة الطول بل مساحة جميع الجرم بحيث يكون المقدم بجملته مساوياً للمؤخر بجملته إذ لا موجب لزيادة أحدهما على الآخر. ولما كن المؤخر أدق كثيراً من المقدم وجب أن يكون الجزء المؤخر أطول كثيراً من المقدم حتى يكون طوله كالضعف من طول المقدم. ولما كانت الأعصاب السبعة آخذة في طول الدماغ. وينبغي أن تكون الأبعاد التي بينها في طول الدماغ متساوية إذ لا موجب للتفاوت فيجب أن تكون حصة الجزء المقدم من الدماغ أقل وكالنصف من حصة المؤخر فلذلك صار في الجزء المقدم زوجان وفي المؤخر أربعة. والزوج الثالث في الحد المشترك بينهما وانفصال الجزء المقدم عن المؤخر هو باندراج الحجاب بينهما فقط، وأما انقسامه بالبطون فإن الدماغ ينقسم إلى بطون ثلاثة وهي التجاويف التي يكون فيها الروح وفيها يتعدل. وهذه البطون مختلفة في المقدار وذلك لأن البطن المقدم منها لأجل الحس المشترك، والخيال، وإنما يدرك المحسوس ويحفظ بأن يتشنج مثاله في الزوج، وذلك إنما يكون فيما له مقدار ومساحة فلذلك يجب أن يكون هذا البطن عظيماً جداً ليتسع لمقادير أشباح المحسوسات وأما البطن المؤخر فلأجل حفظ المعاني وهي مما لا مقدار له حتى يحوج أن يكون مثالها في مقدار ومساحة فلذلك خلق هذا البطن صغيراً جداً، وأصغر من نصف المقدم. وكذلك البطن الوسط فإنه لإدراك المعاني بالوهم فلذلك خلق أيضاً صغيراً، فلذلك تكون الأعصاب التي في البطن المقدم كبيرة جداً بالنسبة إلى التي في البطنين الآخرين، فلذلك لا منافاة بين كلام الشيخ ها هنا وبين كلامه في الكتاب الثالث من كتب القانون إذ قال هناك: وإنما لين مقدم الدماغ لأن أكثر عصب الحس وخصوصاً الذي للبصر والسمع ينبث منه، فإنه يريد هناك بالمقدم البطن المقدم، لا الجزء المقدم. وإن كان كلامه هناك إنما كان أو لاً في الأجزاء.

قوله: ثم تفارقه وتتشعب أربع شعب يريد أن كل فرد من هذا الزوج يتشعب هذه الشعب وينبغي أن يكون مخرج كل شعبة من الموضع الأقرب إلى مواضع تفرقها وانبثاثها.

قوله: وشعبه تطلع في الثقب الذي يخرج منه الزوج الثاني. سبب ذلك: أن هذه الشعبة لو أخرجت من غير هذا الموضع فإما من ثقب مستقل فتكثر ثقوب القحف ويزداد ضعفاً أو من ثقب مشترك بينها وبين غيرها فيتعين لها هذه الثقبة لأن ما سواها مما هو خارج عن نقرة العين بعيد عن مواضع انبثاث هذه الشعبة والتي مع هذه فقرة العين وهي مخرج الزوج الأول لا يمكن أن يخرج فيها مع ذلك الزوج غيره لئلا يضعفه فيفسد تجويفه ويلزم ذلك فقدان الإبصار. إن هذا الزوج شديد الاستعداد للانضغاط لزيادة تجويفه ولفرط لينه.

قوله: والجزء الذي يأتي اللسان أدق من عصب العين لأن صلابة هذا ولين ذاك يعادل غلظ ذلك ودقة هذا.

قد قلناه: إن سبب غلظ عصب العين ليس لإفراط لينه بل ليمكن أن يكون تجويفه كبيراً ظاهراً، ولما لم يحتج إلى ذلك ها هنا لا جرم كان هذا العصب دقيقاً. والله ولي التوفيق.

البحث الرابع تشريح الزوج الرابع قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وأما الزوج الرابع فمنشؤه ... إلى آخر الفصل.

الشرح عبارة الكتاب في هذا ظاهرة. والله ولي التوفيق.

البحث الخامس تشريح الزوج الخامس قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وأما الزوج الخامس فكل فرد ينشق بنصفين ... إلى آخر الفصل.

الشرح قوله: كل فرد منه ينشق بنصفين. قد قال جالينوس: أن العصبتين لا تخرجان من مخرج واحد لكن لكل واحدة منهما مخرج إلى جانب الأخرى وكل واحدة منهما تنشأ من أصل غير الأصل الذي تنشأ منه الأخرى وإذا كان كذلك لم يكن كل فرد منه واحداً ثم ينشق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015