فإن كان مساوياً كانت مسافة هذه العصبة كمسافة الأخرى لأنها تكون بقدر ما كانت أو لاً، ويلزم ذلك أن يكون وصول الشبحين معاً في وقت واحد. فتختلط الأجزاء السافلة من الشبح العالي بالأجزاء العالية من الشبح الآخر من أو ل حصولهما هناك فتكون لما رأى أعلاه وأسفله مرتين على التمام رؤية صحيحة ولكن بينهما بعد ترى فيه الأجزاء السافلة مختلطتين وتكون هذه الأجزاء المختلطة بقدر المنطبق من كل واحد من الشبحين على الآخر، وإن كان مختلفاً أعني إن كان ارتفاع العصبة عند موضع الالتقاء مخالفاً لارتفاعها عند العين لزم ذلك أن تكون مسافتها أطول مما كانت أو لاً، ويلزم ذلك أن يكون وصول شبح العين السليمة قبل وصول شبح الأخرى فيرى الشبح الشيء أو لاً رؤية صحيحة ثم يرى على ما قلناه حيث الارتفاعان متساويان ويكون زمان ما بين الرؤيتين قصيراً جداً، ويختلف باختلاف تفاوت الارتفاعين فيطول حيث يكون التفاوت كبيراً، ويقصر حيث يكون أقل. هذا وأما الأمر الثاني وهو أن تكون العصبة الآتية إلى العين مرتفعة لم ترتفع عند الالتقاء بالأخرى وهذا يلزمه أن تكون مسافتها أطول مما قلناه ويلزم ذلك أن يكون ورود الشبح من العين السليمة قبل ورود شبح الأخرى وهذا لا يلزمه خلل في البصر، إذ يرى الشبح أو لاً شبحاً واحداً ثم يرى شبحين المنطبقين أحدهما على الآخر لكن لو اتفق أن عرض لشبح العين السليمة اختلال رئي الشيء أو لاً مختلاً بذلك النوع من الاختلال ثم يرى صحيحاً وبينهما زمان لا يكاد يحس وكذلك لو مالت إحدى الحدقتين إلى جانب طالت مسافة وصول شبحها إلى موضع الالتقاء لا محالة ثم هذا إما أن يلزمه مع ذلك تمدد عصبتها عند موضع الالتقاء أو لا يلزمه ذلك.
فإن كان الأول فإما أن يكون ذلك التمدد كبيراً حتى لا ينطبق شيء من شبحها على شبح الأخرى، فيرى الشيء شيئين: أحدهما عن جانب الآخر. أو يكون التمدد دون ذلك بحيث تنطبق بعض أجزاء شبح هذه الحدقة على بعض شبح الأخرى فيرى الشيء كما قلناه حيث ينطبق بعض أجزاء أحد الشبحين على بعض أجزاء الآخر إذا كانت إحدى الحدقتين مرتفعة. ولكن يختلف ها هنا بأن الأجزاء التي تكون رؤيتها صحيحة تكون من الجانبين لا إلى فوق ولا أسفل كما كانت هناك.
وكذلك الأجزاء التي ترى ها هنا مختلطة هي الأجزاء التي بين الجانبين كما كانت هناك بين الفوق والسفل.
وأما الثاني: وهو أن يكون ميل إحدى الحدقتين ليس يلزمه تمدد عصبتها عند موضع الالتقاء. فهذا لا يلزمه خلل البصر بل يكون الحال كما قلنا حيث ارتفاع إحدى الحدقتين لا يلزمه ارتفاع عصبتها عند موضع التقاطع.
هذا هو التحقيق.
وأما قول الشيخ: إن ارتفاع إحدى الحدقتين يبطل معه استقامة نفوذ المجرى إلى التقاطع ويعرض قبل الحد المشترك حد لانكسار العصبة فغير مسلم. وذلك لأن هذا الانكسار إنما يلزم لو كان بعض أجزاء تلك العصبة التي بين العين وموضع الالتقاء لازماً لو ضعه دائماً يكون كذلك لو كان مربوطاً بالأعضاء المجاورة فليس الأمر كذلك. والله ولي التوفيق.
البحث الثاني تشريح الزوج الثاني قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه والزوج الثاني من أزواج العصب الدماغي ... إلى قوله: وأما الزوج الثالث فمنشؤه.
الشرح قد علمت أن الزوج الذي في عيني الإنسان ونحوه يجب أن يكون شديد الرطوبة المائية وإنما يمكن ذلك بأن يكون محلها رطباً ليبقى ما فيها من الرطوبة محفوظاً، فلذلك يجب أن يكون مزاج العينين وما يتصل بها رطباً فلذلك يجب أن تكون العضلات المحركة للعينين متكونة من عصب رطب لين فلذلك يجب أن يكون منشؤه بالقرب من منشأ الزوج الأول. وذلك هو هذا الزوج خصوصاً وهو لا يصلح لتحريك غير العينين من الأعضاء لأجل إفراط لينه.