والمنفعة الخامسة: أن يكون لما يجب أن يدخل إلى داخل الرأس من الأوردة والشرايين طريق، ومسلك في خلل المفاصل.

والمنفعة السادسة: أن يكون لما يبرز من أجزاء الأم الغليظة إلى خارج القحف طريق ليثبت في ظاهره، فتستقل تلك الأم عن الدماغ فلا يثقله طريق في مسلك.

والمنفعة الأولى والثانية ظاهر أنهما لأجل العظام نفسها.

وأما الثالثة: فهي للدماغ، وتتم بالمفاصل.

وأما الرابعة: فلأجل الحس الذي في ظاهر الرأس، وتتم أيضاً بالمفاصل.

وأما الخامسة ثم السادسة: فمشتركة بين الدماغ وبين ما يدخل ويخرج ويتم أيضاً بالمفاصل.

قوله: ومنفعتان مشتركتان بين الدماغ، وبين شيئين آخرين. في كثير من النسخ بين القطاع.

والنسخة الأولى هي الصحيحة. لأن القطاع هي العظام. وما يدخل من الأوردة والشاربين، وما يخرج من الأعصاب لا نفع له في العظام البتة. والله ولي التوفيق.

البحث الثاني الشكل الطبيعي للرأس قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وأما الشكل الطبيعي لهذا العظم هو الاستدارة لأمرين، ومنفعتين.... إلى قوله: ولمثل هذا الشكل دروز ثلاثة حقيقية.

الشرح إن للرأس في الطول شكلاً طبيعياً، وأشكالاً غير طبيعية أما شكله الطبيعي فهو أن يكون مستديراً إلى طول كالكرة المغمورة من الجانبين فيكون له نتوءان. أحدهما: إلى قدام، وه وأعظم. والآخر إلى خلف، هو أصغر.

أما استدارته: فقد ذكر الشيخ لها منفعتين: إحداهما: لتكون مساحته أعظم فيكون ما يسعه من الدماغ وغيره أكثر، وذلك لأن كل جسمين تساوى محيطهما، فإن الكرى منهما أعظم مساحة من غيره. ولا يليق بهذا الكتاب إقامة البرهان على أمثال هذا.

والذي يقربه إلى الذهن. أن الجسم المخروط الشكل الكرى أقل مساحة من المكعب والمكعب أقل مساحة من الذي تحيط به قواعد مخمسة، وذلك أقل مساحة من الذي قواعده مسدسة. وكذلك كل ما قرب شكله من الشكل الكرى كانت مساحته أعظم لا محالة. فالكرى لا محالة أكبر من جميع الأجسام أعني بذلك إذا تساوت الإحاطة. ويمكنك امتحان هذا بالسطوح فإن المثلث أصغر من المربع، وهو أصغر من المخمس وكذلك كلما قرب من الدائرة كان أعظم مما هو أبعد عنها. فتكون الدائرة أو سع المسطحات. وهذه الفائدة تعود إلى ما يحويه العظم، لا إلى العظم نفسه.

وثانيتهما: لتكون أبعد عن قبول الآفات الخارجية مما له زاوية. إذ الزاوية ليس لها من ورائها ما يقويها على مقاومة المصادم. ولذلك ما كان من الأجسام ذا زوايا فإن ما يعرض له من التكسر يكون أو لاً في زواياه. والجسم الكرى جوانبه كلها متساوية، فليس عروض الفساد له من جهة أولى من عروضه من جهة أخرى وهذه المنفعة تعود إلى نفس العظم. وذكر لطول هذا العظم منفعة واحدة، وهي أن الأعصاب الدماغية موضوعة في الطول. أعني مرتبة كل زوج بعد آخر إلى خلف.

وهذه الأعصاب سبعة أزواج. فإذا عددنا ما يقع منها في الطول وجدنا سبعة. وإذا عددنا ما يقع في العرض وجدنا ذلك عصبتين فقط. فتكون الحاجة إلى الطول لأجل الأعصاب أكثر.

أقول: وها هنا سبب آخر لأجله صار شكل الرأس هكذا. وذلك لأن معظم الغرض بعظام الرأس إنما هي وقاية للدماغ. وذلك بأن يكون له كالجنة. وإنما يتم ذلك بأن يكون محيطاً به من كل جهة وشكل الدماغ مستدير إلى طول، فيجب أن يكون شكل ما يحيط به كذلك وإلا كان فيه زيادة غير محتاج إليها في الوقاية، أو نقصان تؤدي إلى انضغاط الدماغ وإنما كان شكل الدماغ مستديراً إلى طول. أما استدارته فكما قلنا في العظام وأما طوله، فلأنه محتاج أن يكون فيه ثلاثة بطون. وأن تكون هذه البطون موضوعة في طوله، وذلك يحوج إلى زيادة في طوله. وإذا كان هذا العظم مستديراً إلى طول فصوله ما بين مقدمه ومؤخره وجب أن يكون له نتوءان أحدهما إلى قدام والآخر إلى خلف، وخلق نتوءه المقدم أعظم لأن ما يحيط به من الدماغ أكبر وإنما كان كذلك لأن مقدم الدماغ للحس ومؤخره يحفظ المعاني، والمحسوس إنما ينتفش في شيء له مساحة. ولا كذلك المعاني.

وأما الأشكال الخارجة عن الأمر الطبيعي فسنذكرها بعد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015