قوله: وله نتوءان إلى قدام، وإلى خلف ليقيا الأعصاب المنحدرة من الجانبين، وفائدة هذين النتوءين أنهما ساتران ولا شك أن الساتر إذا كان محدباً كانت وقايته أتم لأن ملاقاة ما يصادمه يكون بجزء أقل، فيكون انفعاله عنه أضعف. والله أعلم.
البحث الثالث عدد دروز الرأس الطبيعي الذي شكله طبيعي وهيأتها قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه ولمثل هذا الشكل دروز. ثلاثة حقيقية، ودرزان كاذبان ... إلى قوله: وأما أشكال الرأس غير الطبيعية فهي ثلاثة.
الشرح قد بينا أن الشيخ في هذا الفصل إنما يتكلم في تشريح عظمي اليافوخ. فلذلك إنما نذكرها ها هنا.
دروز الرأس خمسة دروز: ثلاثة منها حقيقية، أعني بذلك أنها دروز حقيقية وذلك أن الدروز إنما تحدث من مداخلة كل واحد من العظمين في الآخر في مواضع كثيرة حتى تكون كمنشارين أدخلت زوائد كل واحد منهما في حفر الآخر وكأنها أصابع قصار أدخلت كل إصبع بين إصبعين مما يقابلها. وهذه الدروز كذلك. وسميت دروزاً تشبيهاً لها بدرز الخياطة. لكنها تخالف تركيب المنشارين والأصابع، بأن المنشارين زوائدهما تأخذ من عرض كبير إلى دقة، والأصابع عرضها كلها متساوية، وزوائد هذه الدروز ليست كذلك، بل أطرافها أكثر عرضاً من قواعدها. وذلك ليكون التركيب أقوى وأحكم، ولتكون مسافة الخلل أطول فتكون منافس البخار الذي يحتاج أن يتحلل منه أكثر.
واثنان من هذه الدروز الخمسة ليسا في الحقيقة بدروز بل هما لزاق ولهذا يسميها بعضهم لزاقاً.
ولا يطلق عليها اسم الدروز. والذين يسمونها دروزاً، فيسمونها دروزاً كاذبة، وغير حقيقية، وقشرية وهيأتهما أن كل واحد من العظمين يبتدئ عند قرب طرفه في الترقق، ويتم ترققه عند انتهاء طرفه ثم يركب انتهاء ترقق هذا على ابتداء ترقق ذاك حتى تكون ثخانة العظمين عظم واحد، وفائدة خلقتهما كذلك أن يسهل تنحي أحد العظمين عن الآخر من غير انكشاف يعرض للدماغ، مع أن كل واحد من العظمين شديد الثبات على الآخر، وفائدة ذلك أن يجد البخار والرياح الكثيرة التي قد تجتمع في داخل القحف طريقاً متسعاً للانفصال، ولا يلزمها فساد الدماغ، وشدة الألم.
وأطن أن هذين الدرزين من خواص الإنسان، وذلك لأن رأسه في سمت صعود البخار والدخان من البدن كله، ويحتاج أن يكون رأسه أكثر نقاء من جميع الحيوان ليكون فكره جيداً فيحتاج أن يكون منافس تحلل ذلك منه أكثر وأوسع.
وأما أشكال هذه الدروز الخمسة: فالأول من الحقيقية يحيط أعلاه بأعلى الجهة مشترك بين عظمها وعظمي اليافوخ. وهو قوسي هكذا ويسمى الإكليلي لأنه عند منتهى الإكليل الذي يوضع على الرأس. وسنذكر في الفصل الآخر غاية امتداد طرفيه، ومنه تتحلل البخارات التي في البطن المقدم. ولذلك وضع حيث يسهل تحلل الأبخرة لأنه يمر على محيط ذلك البطن. وإنما كان شكله كذلك لأن هذا النتوء كبير، فيكون مع باقي الرأس كالكرة، وأكثر تحدباً وانفراجاً. وإذا قطعت الكرة بسطح مستو كان الانفصال على هيئة دائرة فيكون هذا الدرز على هيئة محيط قطعة دائرة والدرز الثاني يمر مستقيماً تحت العرق، ومنه تتحلل أكثر أبخرة الرأس، خاصة ما يكون في وسطه. وخلق مستقيماً ليعم جميع الجزء الأعلى من الرأس فيكون تحلل تلك الأبخرة أسهل وأكثر مع كون التركيب أحكم وأقوى. أما أن التحلل يكون أكثر فلأن هذا الدرز لو انحرف على الجزء الأعلى من الرأس إلى جانبه لبقي ذلك القدر من الجزء الأعلى مانعاً من التحلل.