القسم الثاني تشريح الأعضاء الآلية

قوله: يتوكأ الأجوف عن قرب على الصلب الشرايين والأوردة من شأنها أي أن يتوكأ كل منهما في صعودها ونزولها على عظام الصلب لتكون هذه العظام وقاية لها حيث لا يلحقها حراسة الحواس وارتبط بتلك العظام فتبقى أو ضاع أجزائها محفوظة.

قوله: فإذا انتهى إلى آخر الفقار انقسم قسمين. يريد بقوله: أجزاء الفقار الذي ينتهي عنده، وذلك هو فقار العجز، وفائدة هذا الانقسام أن ينتهي كل قسم منها إلى رجل ولذلك يتابعدان فيكونان على هيئة اللام في كتابة اليونان.

فصل

وكل واحد من هذين القسمين ينفصل منه قبل موافاته العجز عشرة عروق وهي التي سماها طبقات، وسماها غيره طوائف وبعضهم سماها أنواعاً.

قوله: يتفرع منها عروق صاعدة إلى الثدي تشارك بها الرحم. فائدة هذه المشاركة أن يكون ما يفضل من دم الطمث عن غذاء الجنين يجد طريقاً للنفوذ إلى الثديين ليستحيل لبناً، ويصير بذلك غذاء للجنين بعد انفصاله ولا يبقى في الرحم فضلاً ويندفع إلى غير الثدي من الأعضاء فيؤذيه وعبارة باقي الفصل ظاهرة. والله ولي التوفيق.

تم القسم الأول بحمد الله ومنه ومن هنا نأخذ في تشريح الأعضاء الآلية مستعيناً بالله وحده.

القسم الثاني

تشريح الأعضاء الآلية

وهو عشرون فصلاً

فصل

معرفة الرأس وأجزائه

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه قال جالينوس: إن الغرض في خلقة الرأس هو الدماغ ولا هو السمع ولا الشم ولا الذوق ولا اللمس فإن هذه الأعضاء والقوى موجودة في الحيوان العديم الرأس ... إلى قوله: ثم العظيم الذي هو القاعدة للدماغ.

الشرح

المراد ها هنا بالرأس العضو المشتمل على الدماغ الموضوع في أعلى البدن ورأس الإنسان. إذا قيس إلى بدنه كان أعظم نسبة من رؤوس باقي الحيوانات إلى أبدانها وسبب ذلك أمور: أحدها: أن الإنسان يحتاج أن تكون له قوة الفكر والذكر وذلك يحتاج إلى أرواح كثيرة فلذلك احتيج أن يكون لتلك الأرواح مكان متسع ولا كذلك غيره من الحيوان فإنه ليس له هذه القوى.

وثانيها: أن أرواح دماغ الإنسان يحتاج فيها أن تكون صافية ليجود فكره، وإنما يمكن ذلك، إذا لم تخلط فيها أبخرة كثيرة ورأس الإنسان يحتاج فيها أن تكون صافية ليجود فكره، وإنما يمكن ذلك إذا لم تختلط فيها أبخرة كثيرة ورأس الإنسان في أعلى بدنه فهو في جهة تصعد إليه الأبخرة من معدته ومن جميع بدنه. فلذلك يحتاج الإنسان أن يكون رأسه كبيراً جداً ليتسع لما يتصعد إليه من أبخرة من غير أن يحتاج تلك الأبخرة بسبب ضيق المكان إلى مخالطة أرواحه. ولذلك احتيج أن تكون عظام رأس الإنسان متخلخلة، واسعة المفاصل قليلة اللحم الذي فوقها ليكون ذلك أعون على تحلل تلك الأبخرة.

فلذلك فإن من رأسه كثير اللحم فإن فكره ضعيف فاسد ومن كان رأسه قليل اللحم فهو أصح ذهناً، وبسبب أن رأس الإنسان في أعلى بدنه والأبخرة متصعدة إليه كثيراً صارت النزلات وغيرها من الأمراض الدماغية تكثر في الإنسان فلذلك يكثر بالإنسان السعال والزكام والبحوحة. وكذلك يكثر ازدياده وتكثر الرطوبات في عينيه، ولا كذلك غير الإنسان.

وثالثها: أن الإنسان يمشي منتصب القامة وذلك مما يحتاج فيه إلى قوة من الأعصاب والعضلات المحركة له الحركة التي يلزمها ذلك، ولذلك يحتاج الإنسان إلى أعصاب قوية وكثيرة وإنما يمكن ذلك إذا كان دماغه كبيراً ونخاعه كبيراً قوياً. وإنما يمكن ذلك إذا كان رأسه عظيماً وكانت عظامه صلبة عظيمة وجميع الحواس، وكذلك جميع أجزاء الرأس فإنها لا يحتاج فيها أن تكون مرتفعة، وفي أعلى البدن إلا العينين فإنها إنما تكون منفعتها كثيرة تامة إذا كانت مرتفعة جداً، وسبب ذلك لأن الارتفاع يزيدها قوة إدراك أو هو زيادة إدراك لما هو بحذائها، فإن الإبصار إنما يتم بالمحاذاة. أي بأن يحاذي الرائي للمرئي أو يحاذي صقيلاً يحاذي المرئي كما في رؤية الشيء في المرآة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015