وجوابه: أن سبب ذلك أن العرق الخارج من القلب إلى الأعضاء فائدته إفادة الروح للأعضاء والحياة، وهذا العرق إنما يخرج من البطن الأيسر من القلب. وهناك الروح الحيواني فلو لم تنفصل من ذلك العرق ما ينفذ إلى بقية أجزاء القلب لكانت تلك الأجزاء تخلو من الروح، وعن قوة الحياة.

وأما العرق الخارج من الكبد فإن فائدته إيصال الغذاء إلى جميع الأعضاء. والغذاء إنما يصل إلى هذا العرق بعد عمومه لأجزاء الكبد كلها، وذلك من الأجزاء المتفرقة منه ومن الأجزاء المتفرقة من الباب ولذلك تكون جميع أجزاء الكبد مستغنية عن غذاء ينفذ إليها من عرق ينفصل من هذا العرق الأجوف، وقد عرفت مما سلف أن رأي جالينوس أن الأوردة جميعها تنبت من الكبد، وأن الشرايين تنبت من القلب، وأن العصب ينبت من الدماغ أو النخاع.

والمشهور عن أرسطوطاليس أن هذه جميعها تنبت من القلب، ومذهب الرئيس ابن سينا تجويز كل واحد من هذين المذهبين مع جواز أن يكون شيء من هذه ينبت من عضو.

وأما الحق الذي ذهبنا إليه، فهو أنه ليس شيء من هذه يجوز البتة أن ينبت من عضو، وأنها لها أسوة بباقي الأعضاء في أنها تتكون ابتداء من غير أن تكون نابتة من شيء من الأعضاء.

وأما ساسينوس القبرصي فقد قال: إن مبادئ نبات العروق جميعها من ناحية العينين والحاجبين ثم ينحدر عرقان يمنة ويسرة.

وقد قال ديباجانس: إن أصل العروق عرقان يبتدئان من البطن ثم ينحدران ويصعدان، ولم يشرح هو كيفية ذلك.

وقال: إن العرقين يرتفعان إلى فوق إلا شعبتين منهما دقيقتين فإنهما ترسلان إلى الكبد، وإلى الطحال وعرقان آخران يبتدئان من خرز الظهر يتيامن من أحدهما، ويتياسر من الآخر، ويمضي اليمين إلى الكبد، واليسار إلى الطحال وكل واحد منهما يتشعب في يد، ومنهما الكتفي والإبطي، ثم إنه يطول في قسمة ذلك بما لا فائدة.

وأما بولونيوس فإنه جعل مبدأ العروق من أزواج أربعة: زوج من خلف الرأس إلى العنق، من خلف إلى اسفل.

وزوج آخر من الرأس والدماغ عند الأذنين ثم إلى الفقار والظهر وجعل مبدأ العروق جملة هو الرأس والدماغ.

وقال الإمام أبقراط: والعروق الغلاظ التي في البدن على هذه الصفة. وهي أربعة أزواج: أحدها: يبتدئ من مؤخر الرأس، وينحدر على الرقبة من خارج، ويمتد على جنبي عظم الصلب إلى أن يبلغ إلى الوركين، والرجلين ثم ينحدر من هناك على الساق إلى أن يبلغ الكرسوع والقدمين من خارج فقد ينبغي لمن أراد فصد العرق في أو جاع الخاصرتين والأنثيين أن يفصد العرق الذي يظهر تحت الركبة، والعرق الذي على الكرسوع من خارج.

وأما الزوج الثاني: فيبتدئ من الرأس وينحدر إلى جانب الأذين على الرقبة من داخل ويمتد على جنبتي عظم الصلب ويسمى هذان العرقان الأوداج إلى أن يبلغ الخواصر، ثم ينقسم من هناك في الانثيين ويمتد أيضاً على الجانب الداخل من مأبض الركبة، ثم على الساقين إلى أن ينتهي إلى الكرسوع والقدمين من داخل فقد ينبغي لمن أراد فصد العرق في أجزاء الخاصرة والانثيين أن يفصد العرق الذي يظهر تحت الركبة، والعرق الذي على الكرسوع من داخل.

وأما الزوج الثالث: فيبتدئ من الأصداغ وينحدر إلى الرقبة تحت الأكتاف ثم يصير من هناك إلى الرئة ويمتد العرق منه إلى الجانب الأيمن ثم إلى الجانب الأيسر تحت الثدي إلى أن يصل إلى الطحال والكلية اليسرى ويمتد الذي في الجانب الأيسر من الرئة إلى الجانب الأيمن تحت الثدي إلى أن يصل إلى الكبد والكلية اليمنى وأطراف هذين العرقين تنتهي عند طرف المعاء المستقيم.

وأما الزوج الرابع: فيبتدئ من مقدم الرأس من ناحية العينين على الرقبة والترقوتين من كل جانب ثم يصير من هناك ممتداً على العضد إلى المأبض من كل واحدة من اليدين ثم من هناك إلى الساعدين والكتفين والأصابع ثم يمتد من الأصابع أيضاً على الذراع إلى المأبض ويمتد على الجانب الداخل من العضد ثم يمر على الأضلاع من خارج فيأتي عرق واحد منها إلى الطحال والعرق الآخر إلى الكبد، ثم يمتد على البطن من خارج إلى أن ينتهي إلى الفرج ثم ينقضي فعلى هذا يكون منشأ العروق الغلاظ. وفي البدن عروق كثيرة مختلفة في الجنس منشؤها من البطن تؤدي الغذاء إلى جميع البدن.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015