وقد يصير أيضاً الدم من العروق إلى جميع البدن ويتأدى من العروق التي في ظاهر البدن والعروق التي في باطنه بعضها إلى بعض، فيصير من العروق التي من خارج إلى التي من داخل، إلى التي من داخل وإلى التي من خارج.
وليكن فصدك العروق على حسب هذا القول وهذا كلامه.
وقد شنع جالينوس وأفرط، ولم يفهم أن غرض أبقراط من هذا إنما هو بيان امتداد العروق التي تفصد لأنها تنبث من هذه المواضع.
وقد بسطنا الكلام في ذلك عند شرحنا لكتاب طبيعة الإنسان فلترجع إليه هناك. والله ولي التوفيق.
البحث الثاني العرق الصاعد من حيث يقارب القلب
قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه ثم ينقسم إلى قسمين قسم منه عظيم.... إلى قوله: وأما النافذ.
الشرح قوله: ثم ينقسم إلى قسمين قسم منه عظيم يأتي القلب ليس المراد أن هذا عظيم بالنسبة إلى القسم الآخر، فإن هذا أصغر من ذلك القسم بكثير، لأن هذا القسم ينحو إلى القلب والرئة وبعض الأضلاع والقسم الآخر يتوجه إلى الصدر والرقبة والرأس والثديين فلذلك يحتاج أن يكون أعظم من هذا القسم بكثير لأن هذا القسم مع أنه أصغر كثيراً من ذلك القسم فإنه في نفسه عظيم ومع ذلك هو أعظم عرق يتصل بالقلب لأن هذا ينفذ فيه الدم وإنما غيره ينفذ فيه النسيم وإن نفذ فيه دم فذلك الدم مع قلته رقيق جداً، فلذلك احتيج أن يكون هذا القسم أعظم عروق القلب.
قوله: وهذا الوريد يخلف عند محاذاة القلب عروقاً ثلاثة.
يريد بهذا المحاذاة الوصول لأن تقسيم هذا الوريد إلى الأقسام الثلاثة هو عند نفوذه في أذن القلب اليمنى وإنما انقسم إلى هذه الأقسام الثلاثة لأنه يحتاج أن ينفذ منه قسم إلى الرئة ويحتاج أن ينبث منه قسم في جرم القلب لتغذيته ويحتاج أيضاً أن ينفذ منه قسم إلى الأضلاع السفلي والعضل الذي هناك وسائر ما هناك من الأجسام لإفادة الغذاء.
قوله: عرق يصير منه إلى الرئة نابتاً عند منبت الرأس بقرب الأيسر يريد بهذا النبات أنه من هناك يصعد إلى الرئة مع أن دخوله إلى داخل القلب إنما كان عند يمينه وإنما كان كذلك ليستفيد بقربه من البطن الأيسر حرارة بها يصير الدم الذي فيه قريباً من الاستعداد ولأن يكون منه، ومن الهواء الذي يستخلط به ما يصلح لأنه يصير في القلب روحاً وإنما يمكن أن تخرج هذه العروق من قريب البطن الأيسر، مع أن دخوله إلى تجويف القلب، إنما هو من جهة يمينه بأن ينعطف في داخل تجويف القلب من اليمين آخذاً إلى اليسار.
قوله: وقد خلق ذا غشائين كالشريانات. يريد ذا طبقتين وإنما خلق كذلك ليكون جرمه مستحصفاً ضيق المسام جداً فلا يرشح منه من الدم إلا ما لطف جداً، وهذا لذي يرشح منه يصادف هواء كثيراً مبثوثاً في تجاويف الرئة فيختلط به وبذلك يصلح لأن يصير في القلب روحاً وباقي الدم الذي لا يرشح من تلك المسام ينفذ من فوهات أجزاء هذا العرق فتغتذي به الرئة فلذلك غذاء الرئة إنما هو ما تبقى من أجزاء هذا العرق بعد ترشيح لطيفه إلى تجاويف الرئة.
قوله: أن يكون ما يرشح منه دماً كثيراً في غاية الرقة مشاكلاً لجوهر الرئة هذا الكلام لا يصح فإن جوهر الرئة ليس بغاية الرقة وإنما الفائدة فيه ما ذكرناه وإنما كان غذاء الرئة يأتي إليها من القلب مع العرق العظيم الحاوي للدم الغاذي للأعضاء العلوية كما سنذكره بعد تصعيد إلى خلف الرئة، وقريبا منها جداً ومن القلب مع أن العرق قريب منها جداً فيكون أخذها الغذاء منه أسهل.