وجوابه: أن الأمر وإن كان كما قلتموه إلا أن هذا الانفصال ضروري في جودة تغذية الأعضاء، وذلك لأن عروق الباب إذا كانت منفصلة من عروق الأجوف بقي الغذاء في مقعر الكبد إلى أن يتم انهضامه لأنه قبل تماماً انهضامه لا يتمكن من النفوذ في أفواه فروع الباب ولا في أفواه أصول الأجوف فلذلك تبقى في مقعر الكبد إلى أن يتم انهضامه وحينئذٍ يستعد بسبب ترققه للنفوذ في تلك الأفواه، فلذلك إذا كانت هذه العروق في الكبد غير متصلة بقي الغذاء في مقعر الكبد انهضامه وحينئذٍ تجتذبه أجزاء العرق الأجوف وإنما تجتذبه لتغذية أجزاء محدب الكبد، فلذلك إنما يجتذب حينئذٍ ما يصلح لتغذية تلك الأجزاء، وذلك هو الدم والكيلوس والبلغم أما الدم فلأنه صالح بالفعل لتغذية محدب الكبد وأما البلغم والكيلوس فلأنهما أيضاً صالحان لذلك بالقوة أي بأن يستحيلا إلى الدموية وحينئذٍ يصلحان لتغذية محدب الكبد، ويلزم ذلك أن تبقى في مقعرها ما في ذلك الكبد مما يضر ذلك المقعر ويمنع نفوذ الغذاء إلى المواضع التي هما فيها فلذلك يضطر مقعر الكبد إلى دفع هذين الخلطين وإنما يسهل دفعهما حينئذٍ إلى الجهة التي فيها المقعر، لأن محدب الكبد لأجل ضيق أفواه عروقه لا يسهل اندفاع هذين الخلطين إليه لذلك فإنما يندفعان حينئذٍ من مقعر الكبد لأن أو ائل تلك الفروع المنبثة فيه من الباب اكبر سعة لا محالة من أفواه أصول الأجوف.

أما السوداء فلأجل غلظها إنما تندفع حينئذٍ من الباب لأن فروعه بقربه أو سع كثيراً من أطراف تلك الفروع. وأما الصفراء فلأجل لطافتها يمكن نفوذها في بعض تلك الفروع، وذلك بأن يكون ذلك الفرع الذي يندفع فيه منعطفاً من داخل مقعر الكبد إلى ظاهره فلذلك تنفذ الصفراء في بعض فروع الباب إلى المرارة.

وأما السوداء فتندفع إلى الطحال، ولكن من العروق المنقسمة من العرق المسمى بالباب أعني المنقسم منه من خارج الكبد، ويلزم ذلك أن يكون الغذاء الواصل إلى محدب الكبد خالياً من السوداء والصفراء المتكونتين في مقعرها، وبذلك يكون الدم الواصل إلى البدن نقياً من هذين الخلطين إلا ما يتكون منهما في محدب الكبد، وهذا إنما يتم إذا كانت أصول العرق الأجوف غير متصلة بأطراف فروع الباب بل هي ملاقية لها.

قوله: وأما الصاعد منه فيخرق الحجاب وينفذ فيه وأما جواب خرق هذا العرق الصاعد للحجاب فلأنه يحتاج إلى النفوذ إلى أعالي البدن وإلى القلب، والحجاب موضوع بين آلات الغذاء وآلات التنفس فلذلك إنما يتمكن هذا العرق من النفوذ إلى القلب ونواحيه بعد نفوذه إلى الحجاب، وذلك بأن يخرقه نافذاً فيه. ولا بد وأن يكون عند موضع خرقه شديد الاتصال بالحجاب إذ لو كان متبرماً عنه ولو بقدر يسير لكان النفس يخرج من الخلل الذي بينهما وينفذ إلى آلات الغذاء وذلك فيه ضرر عظيم.

ولكان أيضاً ما يسيل إلى داخل الصدر من القيح وغيره ينفذ في ذلك الخلل إلى آلات الغذاء فلذلك احتيج أن يكون التحام هذا العرق بالحجاب في موضع خرقه له شديداً وإنما يتمكن من ذلك إذا خرجت منه أجزاء تنبث في جرم الحجاب وأقل ذلك عرقان كل واحد منهما من جانب، وبذلك يشتد التحام هذا العرق بالحجاب.

قوله: ثم يحاذي غلاف القلب فيرسل إليه شعباً كثيرة تتفرع كالشعر. أما نفوذ هذه الشعب إلى غلاف القلب فلأجل تغذيته.

وأما أن هذه الشعب يجب فيها أن تكون شعرية فلأن هذا الغلاف يحتاج أن يكون جرمه كثير الشحم ليمد القلب بالدهنية فلا يعرض له جفاف لأجل حرارته ويبوسة جرمه مع دوام تحركه ومادة الشحم كما علمت هي مائية الدم فلذلك يجب أن يكون الغذاء الواصل إلى هذا الغلاف كثير المائية وإنما يمكن ذلك بأن تكون العروق التي تنفذ فيها شعرية حتى يمتنع نفوذ الدم الغليظ والمتين فيها، وها هنا سؤال ينبغي أن نحقق الكلام فيه: وهو أنه للقائل أن يقول: ما السبب في أن العرق الخارج من القلب إلى غيره من الأعضاء عند أو ل خروجه منه تنفصل منه شعبتان إحداهما تستدير حول القلب وتنبث في أجزائه، والأخرى تنفذ إلى البطن الأيمن؟ وأما الكبد فإن العرق الخارج منها إلى الأعضاء الأخر لا ينفصل منه شيء يتفرق في أجزائها؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015