وقد تكلم العلماء -وخاصة الشافعية- على أن يوم العيد ينبغي أيضاً أن تظهر فيه البهجة للصغار، وأباح بعضهم أن يلبس الصغار من الثياب المصبغة بالألوان -أعني الأولاد الذكور- ولو حلُّوا بالذهب، ولو ألبسوا الحرير؛ لأنهم ليس عليهم تكليف.
والآخرون يقولون: التكيف على وليهم، فكيف يلبسهم الحرير، والحرير ممنوع على الرجال؟ ولكن ينبغي أن نعلم أن تحلية الأولاد بالذهب خطأ، ولا ينبغي لنا، سواء أكان بنتاً أم ولداً إلا إذا كانوا داخل البيت لا يخرجون إلى الشارع؛ لأن في تحلية الصبية بالذهب خطر على حياتهم، كما حصل في قضية الجارية مع اليهودي كما سيأتي في الحديث، فقد وجدها في أطراف المدينة في خربة، وعليها أوضاح من ذهب، فرضخ رأسها بين حجرين وأخذ الذهب منها، فأُتيت وهي في الرمق الأخير، وأخذوا يقولون: من فعل بك هذا؟ لكن لم تستطع أن تتكلم، ثم أخذوا يعرضون عليها الأسماء: فلان.
فلان.
فلان، حتى ذكر اسم يهودي فأومأت برأسها أن نعم، فجيء به فاعترف، فرض رأسه بين حجرين.
فسبب قتلها هو الذهب، فبريق الذهب سلب بصره وبصيرته، فقتلها من أجل هذه الأوضاح، ولو كثرت معنا الأموال فعلينا أن نصونها، وإذا جعلنا للطفلة حلياً فليس هناك مانع، وبعض الآباء عندهم عقل، فكل هدية تأتي للطفلة من الذهب يخزنونها إلى وقت زواجها، لكن أن تلبس الذهب وتخرج تنظر يميناً ويساراً هذا خطر عليها، فالعلماء -خاصة الشافعية كما ذكره النووي في المجموع- يقولون: لا بأس أن يجمل الصبيان بالحرير، وبالثياب المصبغة الملونة.
ونحن نرى الطفل عمره ثمان سنوات أو سبع ونصف وعليه حلة ضابط برتبة مقدم، وهو لا يستطيع أن يضبط نفسه، لكن من باب الزينة ومن باب التجميل وتفريح الأولاد؛ لأن يوم العيد يجب أن تكون فيه سعة، ويجب أن يكون فيه إدخال السرور على الجميع، ويجب أن يكون فيه توسعة على العيال.
وكما قلنا: مع مراعاة حقوق الجوار، فلا توسع على نفسك وأولادك وفي بيتك، وبجوارك أيتام جياع لا يجدون كسرة، ووالله لو لم يأت دين ولم تأت سنة في ذلك، لكانت المروءة والإنسانية توجبها.
وقد روي أن عروة بن الزبير كان كريماً جداً، وكان في سفر ومعه غلام، فانقطعا في ليلة وضلا عن الطريق، فرأيا ناراً فقصداها، فإذا بعجوز وشيخ كبير وبيت من الشعر، فحياهما، ثم دخل الشيخ على العجوز وقال لها: ما عندك لضيفنا؟ قالت: والله ليس عندي إلا تلك الشاة التي تسقي حليبها ابنتك، ولا تأكل شيئاً إلا حليبها.
فقال: اذبحيها للضيف، قالت: أتقتل ابنتك؟ قال: لابد من ذبحها، فذبحها وأطعم الضيوف! وفي الصباح قال عروة لغلامه: هل بقي معك شيء؟ قال: نعم، معي ألف دينار، قال: ادفع خمسمائة للرجل، قال: خمسمائة وشاته تساوي نصف دينار! قال: ويحك، إنه أكرم منا، قال: كيف؟ قال: لقد أكرمنا بما فيه حياة ابنته، أما أنت فتكرمه بنصف ما معك، فهو والله مع ذلك أكرم منا.
وهذا يؤيد ويوضح لنا ما كنا نستكثره في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال: (سبق درهم مائة ألف درهم قالوا: وكيف هذا يا رسول الله؟ قال: رجل عنده درهمان فتصدق بأحدهما، ورجل عنده مال كثير فأخذ من عرض ماله مائة ألف وتصدق بها) ، فصاحب الدرهمين أكرم؛ لأن صاحب الدرهين تصدق بـ (50%) من رأس ماله، وصاحب المال الكثير تصدق بأقل من ذلك من رأس ماله، وبقى له شيء كثير جداً، فدرهم أكرم وأجود وأعظم صدقة من مائة ألف درهم.
فمن التوسيع في يوم العيد أن تُلبس المسلمة أختها جلبابها إذا كانت لا تملك ولا مانع، وقد ذكر لي أنه في زمان كان الرجل يستر قريبته بكيس السكر أو الأرز من الفقر، وكان رجل عنده ثوب، فكل امرأة لها حاجة تأتي وتستعير ثوبه، حتى أصبح مشهوراً، فتذهب به إلى حاجتها وترجع، وهذا من التعاون، فيجب على الموسر أن يفيض على المعسر، والواجد يجب أن يفيض على من لم يجد، ولا ينبغي أن ينسى الإنسان إخوانه، وقد قالوا: وما يدري الفقير متى غناه وما يدري الغني متى يعيل فالغني لا يدري متى يعيل ويفتقر، والفقير لا يدري متى يغنيه الله وقيل: وما تدري وإن زمرت ثقباً يكون لك أو لغيرك الفصيل فإذا أنتجت الناقة عندك، ونظفت ولد نتاجها عند ولادته واعتنيت به، فإنك لا تدري أيكون لك، أم تتركه ويكون لغيرك.
فعلينا أن نتفقد أحوالنا في أيام العيد، وليس في العيد فقط، فالعيد نموذج ومظهر عام، فعلينا التفقد في جميع أحوالنا وفي جميع أوقاتنا، والتوفيق من الله.