وحديث أم عطية الذي بيْن أيدينا فيه أن الخروج كان إلى المصلى، وقد جاء في فتح الباري عن زيد بن ثابت أنه سئل -وكذلك رواية ابن عباس -: أتعرف العلم الذي كان في المصلى؟ قال: نعم، عند دار فلان بن الصرد، والآن مسجد الغمامة يقال له -أيضاً-: مسجد المصلى، فمصلى العيد كان هناك.
فكان صلى الله عليه وسلم يخرج بالناس إلى ذلك المكان لسعته، ويصلي العيد هناك، ووردت كلمة العَلَم لكون أمية بن الصلت كان قد وضع منبراً، أو وضع علماً هناك؛ لأن بيته كان قريباً منه.
فوضع العلم لمكان مصلى رسول الله فيه حفظاً للأثر، قالوا: لم يكن هناك منبر؛ لأن المنبر ما بني أو صنع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا وضع في المسجد النبوي منبر إلا في السنة الثامنة من الهجرة، وقبل ذلك كان يخطب متكئاً على الجذع.
قال بعضهم: ما بين باب المسجد إلى موضع منبر رسول الله من مصلى العيد ألف ذراع.
وبعد ذلك جاءت خلافة أبي بكر رضي الله تعالى عنه، فما جعل منبره لصلاة العيد موضع منبر رسول الله تأدباً مع رسول الله، فأخذ ميمنة، فمسجد أبي بكر على ميمنة مسجد الغمامة، ثم جاء عمر رضي الله تعالى عنه، فما جعل منبره موضع منبر رسول الله، ولا موضع منبر أبي بكر، ولابد له أن يتحول، فإن ذهب وراء أبي بكر بعد كثيراً عن مصلى رسول الله، فجاء إلى اليسار مقابل أبي بكر.
ولذا يجد من ورد هذا المكان أن هناك هذه المساجد، مسجد المصلى، ومسجد أبي بكر، ومسجد عمر، ولم يكن لـ أبي بكر ولا لـ عمر رضي الله تعالى عنهما أن يتخذا لأنفسهما مسجداً ويتركا مسجد رسول الله، ولكن بعد مائة سنة جاء عمر بن عبد العزيز وكان أميراً على المدينة لبني أمية، فوضع مكان ذلك المعلم، ومواقع مصلى أبي بكر وعمر ما يشبه المسجد حفاظاً على المكان، ثم تطور بعد ذلك، فما يسمى الآن بمسجد أبي بكر ومسجد عمر لا يصح أن يظن أحد أن أبا بكر وعمر يتخذان مصلى ومسجداً ويتركان مسجد رسول الله.
وبناءً على هذا فالأصل خروج الناس إلى الخلاء لصلاة العيد؛ لأن الخلاء فيه سعة، فيسع الرجال والنساء والصبيان، والمبحث في هذا سيأتي لمناسبة في نهاية الباب حيث كانوا في حالة مطر فصلى بهم رسول الله في المسجد النبوي.
ومن هنا يقول العلماء: إذا كان المسجد يسع الرجال والنساء والصبيان، فالأفضل أن تكون الصلاة في المسجد؛ لأن بقعة المسجد خير من بقعة المصلى، ولهذا قالوا: أهل مكة وأهل المدينة يصلون في مسجديهم ولا يخرجون منهما.
وأما بقية المدن وبقية القرى فيكون لها مصلى يسع الرجال والنساء حينما يخرج الجميع لصلاة العيد، فـ أم عطية رضي الله تعالى عنها تبين لنا بأن ذلك بأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما وراء ذلك من الحكمة ما جاء النص عليه: (يشهدن بركة ذلك اليوم) فهؤلاء العواتق يخرجن، يوماً في السنة، وكذلك الحيض يشاركن في دعوة الخير، ويحصلن دعوة الخير ويرجعن إلى بيوتهن، والله سبحانه وتعالى أعلم.