قوله: (إذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم) ، وفي بعض الروايات: (أكرمكم) ؛ لأن الأذان دعاء، فالمؤذن يدعو الناس إلى الله، والمؤذنون هم أطول الناس أعناقاً، وعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يقول: (لولا الخلافة -أو لولا الإمامة؛ لأن الخليفة كان هو الإمام، والإمام هو الخليفة- لكنت مؤذناً) لما في الأذان من عظيم الأجر.
ولا يسمع صوت المؤذن شجر ولا مدر ولا حجر ولا جن ولا إنس إلا شهد له والأذان أمر ليس بالهين، وفي الحديث: (ثلاثة يوم القيامة على كثبان من المسك) وذكر منهم: (ورجل أذن محتسباً) .
فشأن المؤذن عظيم، والأذان هو شعار الإسلام، ولذلك قال: (فليؤذن لكم أكرمكم) ، فعلى سبيل المثال، لو كنا في مخيم وفيه الخدم والمشتركون، وفيه أمير للمخيم، فجاء واحد من الخدم ونادى: هلموا تعالوا.
وجاء أمير القوم أو من دونه، أو مِن مساعديه ونادى: هلموا يا قوم.
فالإجابة الأكثر تكون للشخص الذي هو أعلى درجة وله مكانة في المجتمع، فكذلك المؤذن.
لكن الآن كثر الأذان والمؤذنون، ولا نستطيع أن نجمع أكرم الناس ليؤذنوا، وجاء في الآية: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] ، فإذا وجد إنسان مستقيم الحال على قدر من الصلاح، ومعروف بين الناس بالاستقامة فلا مانع أن يؤذن لنا.
قال: (فليؤذن أحدكم -وفي رواية: أكرمكم- وليؤمكم أكثركم قرآناً) .
هذا اللفظ يفسر لنا: (أقرؤكم لكتاب الله) بأن المراد من وعى قرآناً أكثر من غيره، ولكن على ما تقدم ليس مجرد حفظ حروف دون تجويدها وإعرابها.
يقول بعض العلماء: إن حفظ القرآن في الصدر الأول يتضمن الفقه؛ لأن السلف كانوا كما قال ابن مسعود: (كنا إذا أخذ أحدنا عشر آيات لا يجاوزهن -وفي حديث ابن عمر: خمس آيات- حتى يحفظهن ويتعلمهن ويعمل بهن، فأخذنا كتاب الله حفظاً وعلماً وعملاً) ، فقالوا: من حفظ القرآن أو حفظ بعض السور معناه أنه حفظ حروفها، وفقه معانيها، وعمل بها، فالأكثر قرآناً أكثر فقهاً وعلماً وعملاً.
ولكن نجد في حديث عمرو هذا أنه كان غلاماً عمره ست أو سبع سنوات، وفي بعض الروايات: (ثمان سنوات) ، قال: (فنظروا فلم يكن أحد في القوم أكثر قرآناً مني) ، وهو ابن ست أو سبع أو ثمان سنوات.
ويذكرون في سبب ذلك أنه كان غلاماً فطناً ذكياً، وكان المسلمون الذين يفدون على رسول الله صلى الله عليه وسلم يمرون بهم ذهاباً، ويمرون بهم عند عودتهم، وينزلون عندهم، فيسألهم: ماذا سمعتم من القرآن؟ فيسمع منهم ما سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحفظ عنهم، ولم يكن يفعل ذلك من قومه أحد، فكان لتلقيه المسلمين العائدين من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وسؤالهم عما لديهم من القرآن يحفظ أكثر من الموجودين في بني سلمة.
ولذلك قدموه ليصلي بهم وهو ابن ست أو سبع، وفي رواية: (ابن ثمان) ، وليكن ابن ثمان فسنه -قطعاً- دون البلوغ، وفي تتمة خبره أنه كان يصلي في بردة، وكانت قصيرة فإذا سجد تقلصت، وقال نسوة: استروا إمامكم أو غطوا عنا است صاحبكم.
قال: (فاشتروا قماشاً، فخاطوا لي قميصاً، فما فرحت بشيء كفرحي بذلك) .
إلخ.