مسألة: هل تصح إمامة الصبي أم لا؟ إن إمامة الصبي، وإمامة المرأة، وإمامة الفاسق، وإمامة الأعرابي للحضري كل هذه مباحث مفصلة في كتب الفقه، ومن أكثر من فصل في ذلك صاحب كتاب: (كشاف القناع) عند الحنابلة.
فيرى بعض العلماء صحة صلاة البالغ الكبير في الفريضة خلف المميز الصغير، ونجد بعض العلماء يقول: لا تصح صلاة المفترض البالغ خلف الصبي فماذا عن هذا الحديث؟ قالوا إنه كان في النافلة، وابن عبد البر وغيره يقول: صرف هذا إلى النافلة بعيد؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (فليؤذن أحدكم وليؤمكم أكثركم قرآناً) ، فيؤمهم في النافلة أم في الفريضة؟ ثم أيضاً في سياق كلام أبيه حين جاء وقال: أمرنا صلى الله عليه وسلم أن نصلي صلاة كذا في وقت كذا، وصلاة كذا في وقت كذا يعني: علمهم أوقات الصلاة، وأمرهم أن يؤذن أحدهم، وأن يصلي بهم أكثرهم قرآناً، فهل السياق في النافلة أم في الفريضة؟ في الفريضة بلا شك.
وقوم أخذوا بهذا الحديث، ولكن كره مالك إمامة الصبي، وكل من لم يصحح اختلاف النية في الصلاة قالوا: هل صلاة هذا الصبي التي يؤم فيها فريضة أم نافلة؟ هي في حقه هو نافلة؛ لأنه لم يجر عليه التكليف بعد.
وليس عليه فريضة في الإسلام إلى الآن، فقالوا: كيف يؤم المتنفل المفترضين؟ وعدم البلوغ يدل على عدم التكليف! وآخرون قالوا: هذا نص رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل: ليس هذا نصاً من رسول الله، فنص رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدة عامة، والتطبيق جاء من قومه، فهل قال: يصلي لكم عمرو بن سلمة؟ وهل قال: يصلي لكم الصبي الحافظ؟ وهل قال: أكثركم قرآناً ولو كان مميزاً صغيراً؟ لكنهم لما سمعوا قاعدة التشريع: (أكثركم قرآناً) جاؤوا يبحثون عمن هو أقرؤهم قرآناً فما وجدوا إلا هذا الغلام فقدموه.
فقاعدة التشريع العامة سليمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصالحة لكل زمان ومكان، ولكن التطبيق العملي يكون من الناس، فهل -يا ترى- لما قدموا هذا الغلام علم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقرهم على ذلك، أم أن هذا اجتهاد منهم؟ هذا اجتهاد منهم في تطبيق القاعدة.
وأجاب الآخرون فقالوا: إنه اجتهاد منهم في تطبيقها على أهم أعمال الإسلام وهي الصلاة، ثم لم يأت بأن الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل إليهم: إن إمامكم لا تصح إمامته.
ولم يأت أن الرسول صلى الله عليه وسلم أنكر عليهم فيما بعد.
وقد كان صلى الله عليه وسلم لا يُقَر على شيءٍ باطل، ولو كان لا يعلمه، فقد نبِّه على القذارة في نعليه، فكان يصلي وفي أثناء الصلاة أتاه جبريل وقال: اخلع نعليك؛ لأن فيهما أذى.
فخلع نعليه وهو في الصلاة، وخلع الناس نعالهم، فلما سلم قال: (ما حملكم على إلقائكم نعالكم؟ قالوا: رأيناك خلعت فخلعنا.
قال: أحسنتم) يعني: تأسياً بما رأوه من الفعل، وإن لم يعلموا السبب.
ثم قال: (إن جبريل صلى الله عليه وسلم أتاني فأخبرني أن فيهما قذراً) ، فبين لهم أنه خلعهما عن إخبار من جبريل، أي: لم يقره الله على ما هو عليه من صلاة بأذى في النعلين.
فلا يُقرُّه على إمامة الغلام لقومه، وكل هذا -كما يقال- تعليل لما ذهب إليه كل فريق.
فالخلاف في إمامة الصبي، ولكن إذا اجتمع قوم لا يوجد فيهم قارئ إلا غلام مثل هذا، كما لو قدر أن قوماً في البادية ليس عندهم قارئ، فإنه يصلي بهم.