هنا -يا إخوان- مسألة: قوله صلى الله عليه وسلم: (ليس لعرقِ ظالم حق) عممه الفقهاء في كل ظلم، فلو أنه جاء إلى أرض إنسان، وله أرض بجوارها في مخطط واحد، وجاء هذا ليبني، فتجاوز عن حده إلى أرض الجار بمتر، وبنى، فإن البنيان الذي قام على أرض الجار بزحف المتر عرق ظالم، ويحمل عليه وإن لم يكن هناك عروق، وإن كان مبانٍ فهناك قواعد، حتى وإن كان بنياناً عادياً؛ فكل عمل وقع في ملك الغير له دوام وثبوت أطلقوا عليه عرق ظالم.
ولكن هل هذا الحديث يمكن أن يطبق في كل صغيرة وكبيرة؟ قال لي والدنا الشيخ الأمين حينما كلفت بالقضاء وجئت أستشيره ماذا أفعل؟ قال: أوصيك بتقوى الله والتأني والتريث في فهم القضية، فلكل قضية ملابساتها، ولا يوجد قضية مثل الثانية، ثم تبين لي فيما بعد أن القضايا تدخل المحكمة كما يدخل الأشخاص، لا يوجد اثنان متفقان، حتى التوأم فيهم بعض المخالفات في الشكل، فكذلك القضايا، كل قضية تدخل المحكمة ففيها بعض المغايرة عن أختها ولو كانت من نوعها، هذه قضية سرقة، وهذه قضية سرقة، خمس قضايا سرقة لا يمكن أن تكون القضايا الخمس متفقة في كل الملابسات.
ومن واقع العمل: نجد أن هناك بعض الأمور قد يتمسك فيها بعض الأشخاص بهذا الحديث وهي من التوافه، كما وقع من إنسان اشترى قطعة أرض من مخطط، ثم تقدم إلى الأمانة، وعملت الذرعة والتطبيق وأعطي الرخصة وحفر وبنى إلى أربعة أدوار، ثم بعد خمس سنوات من بداية البناية جاء الجار، وقال: إن صاحب العمارة تجاوز علي بخمسة عشر سنتيمتراً، وأنا أطلب هدم العمارة وإرجاعه عن حقي وتسليم أرضي كاملة.
بعد خمس سنوات وهو ساكت! ولما رأيته قلت له: هذا البيت من يسكن فيه؟ قال: أنا، قلت: ألم تره عندما حفر القواعد ورفع الأعمدة، حتى بنيت أربعة أدوار ثم تأتي وتقول: هذا حقي؟! هو يريد أن يشهر بهذا النص سلاحاً قوياً، ولكن هل يتحقق موضوع الغصب والظلم في هذه القضية؟ ثم قال المدعى عليه: والله أنا لا أعرف ذرعة، ولا أعرف أن هذه من حق غيري، أنا عندي صك فيه ذرعة محددة، وتقدمت لطلب رخصة، والأمانة جاءت بمهندس، والمهندس ذرع المخطط، ووضع للمقاول علامات، وأنا ليس لي دخل في هذا ولا أعرف هذا.
فلو طبقنا فعلاً هذا النص هل تحقق الظلم من صاحب العمارة، أم أن هذا من باب الخطأ، أو ما يسمى بالتجاوز الذي يمكن أن يعفى عنه أو يغتفر؟ هنا خمسة عشر سنتيمتراً في قطعة ضلعها ثلاثون متراً، ماذا يكون هذا؟ مسألة: رأيته يحفر ما سألت، رفع الأعمدة ما سألت، سقف الدور الأول ما سألت، لماذا سألت الآن، من الذي أدراك بأنه اغتصب من أرضك؟ قال: قال لي الناس، قال الناس ليس بصحيح، أتت الهيئة وذرعوا أرض العمارة، فما وجدوا أي تجاوز.
قال: كان هناك سور وتعداه.
تعال احفر جنب جدارك ونرى السور، فأتوا حفروا فما وجدوا شيئاً، ما ثبت الظلم هنا.
فقال: لا.
(ليس لعرق ظالم حق) ، أين تحقيق الظلم الذي وقع من هذا الشخص؟! أخيراً: طلبناً تقدير هذا الذي يدعيه، وإن كان غير ثابت عندنا، لكن من باب مصالحة، وقلنا: هذا حقك أربعمائة ريال.
قال: لا أريد.
ورفعت للتمييز وصُدق الحكم، وأتينا قلنا له: خذ حقك.
قال: لا أريده.
فحولناه إلى بيت المال، وبعد أربعة أو خمسة أشهر جاء وقال: أعطني حقي.
قلت له: حقك عند بيت المال، اذهب وارفع دعوى عليه وخذ حقك منه.
إذاً: تطبيق النصوص لابد أن يراعى فيه المبادئ الأساسية.
فقوله: (غرس في أرض قوم) يعني: عمداً؛ لأنه يعلم أنها أرض قوم، فإذا لم يكن هناك العمد، ولم يكن هناك تعريف الغصب بالقوة والقهر، فتطبيق النص ليس متأتياً.