ثم قال: (ليس لعرق) هنا بعض العلماء يقول: يجب أن يختلف الحكم في اغتصاب الأرض بزرع، أو اغتصابها بغرس؛ لأن الزرع جعل فيه صلى الله عليه وسلم نفقة الزرع للغاصب، والنخل لم يجعل له فيه شيء، وأشاروا بأن الزرع مؤقت والغرس مستديم، وبعضهم يقول: إن قلنا: (ليس لعرقِ ظالم) .
إذاً: الظلم نسب لصاحب العرق، وإذا قلنا بالتنوين: (ليس لعرقٍ ظالم) أسندنا الظلم للعرق، وإسناد الظلم للعرق مجاز، فالأولى إسناده لصاحب العرق.
وإذا اجتث نخله؛ لأنه عرق ظالم، كانت الأرض صالحة لأنه يأتي بالحراث ويحرث ويبذر القمح، أو لتخطيط أشجار موالح، كانت وكانت.
يقول الفقهاء: إذا اجتث النخل عليه أن يجتث أصول الصنو في الأرض، ثم عليه أن يسوي الحفر التي نشأت عن قلع النخيل من أصله، ويسلم الأرض غير ناقصة المنفعة؛ لأنه إذا قطع النخلة من وجه الأرض كان الباقي تحت الأرض أكثر من الذي قطع من أعلى، ويعيق الزراعة والغرس، ويحتاج إلى مئونة وكلفة، لذا على صاحب العرق الظالم أن يرفع عرقه برفع جذور النخلة، ومن المعلوم أن جذور النخلة تمتد إلى عمق الأرض.
لا نقول له: اتبعها في باطن الأرض وأخرجها لا.
يقول علماء النبات: إن سطح الأرض هو الخط المنصف بين جذور الشجرة في باطن الأرض وبين جذعها وأغصانها، أي: أن النخلة لها جذور في باطن الأرض، لو اجتمعت لكانت مثل طول النخلة إلى رأسها، وكذلك جميع الأشجار، وأصحاب المزارع يعرفون ذلك، شجر الأثل إذا كان قريباً من البئر تمتد عروقه إلى قاع البئر، وربما أفسده، وهذه -كما يقولون- عملية توازن؛ لأن الشجرة ذات جرم كبير، وهذه السارية الموجودة عندنا الآن على سطح الأرض، هل جيء بعمود ووسد على سطح الأرض أم أن تحته قواعد عميقة يمكن أن تمسك هذه السارية، وتمسك ما يأتي فوقها؟ فكذلك عروق الشجرة، هي في باطن الأرض تعادل أعلى الشجرة حتى يمكن أن تصلبها، وإذا جاءت رياح عاتية ما الذي يمسك الشجرة ألا تذهب مع الرياح؟ إنها تلك العروق التي في بطن الأرض المتعادلة مع ظاهر الأرض من تلك الشجرة.
فلا نقول لصاحب النخل: تتبع كل عرق حتى ينتهي، لكن نقول: مجموع الصنو، وهو منتهى الشجرة ومجموع عروقها، ينتزعه، ثم بعد ذلك يسوي الأرض.