إن مما هو جار على ألسنة الكثيرين: ما يقع من النزاع بين الزوجين، وتطلب الزوجة المخالعة، وقد عرضت عليّ قضية كان الوكيل فيها من طلبة العلم الأخيار، والموكل عنها أيضاً من أسرة أبو طالب علم من الأخيار، فعرض الخلع، فقال وكيل الزوجة: نعطيه ما دفع، وهذه عند الناس جارية.
متى كان الزواج؟ قالوا: منذ اثنتي عشرة سنة.
لابد أن يوجد هناك رأي خاص، وهل ما دفعه من اثني عشرة سنة هو بعينه اليوم في القيمة الشرائية، ثم جلست في لجنة وفيها من قادة وأخيار أهل المدينة، أربعة أشخاص، وجاء في هذه القضية، فقال رجل منهم: والدي تزوج أمي بريال، فجاءت المناسبة: لو أرادت أن تخالع بعد أن صرت أنت رجلاً كبيراً تدفع ريال؟! فقلت له: إن القيمة الشرائية تختلف من اثني عشرة سنة إلى اليوم.
قال: ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتردين عليه حديقته) ؟ هذا المعنى الملتحق في أذهان طلبة العلم، نعم قال ذلك، ولكن هل الحديقة في عينها كالنقد بالريال؟ لا، من عشرين سنة كان الريال الفضة مستعمل، ثم جاءت الريالات الورق، وكان الريال الورق محبب ومقدم عند الناس على الفضة، وكان من أراد الحج والسفر جاء بمائة ريال فضة ومعها ريالين للصراف ليأخذ ورقة بمائة ريال، حتى تكون خفيفة في الحمل، الآن الريال الفضة صار سلعة وهدايا عند الزواج، فتغيرت الأوضاع.
فقلت: يا فلان! أنت تعلم أن القيمة الشرائية للمال تختلف بحسب الزمن، ولكن الحديقة هي بعينها، إن ارتفعت الأسعار ارتفعت معها، وإن نزلت الأسعار نزلت معها، فهي بعينها لم تنقص ولم تزدد، فإذا كان الصداق حديقة نعم تردين الحديقة عليه، لكن إذا كانت نقداً، والنقد في ذلك الوقت يختلف عما هو عليه الآن إذاً: القيمة الشرائية للصداق الذي دفعه الرجل من اثني عشرة سنة تعادل القيمة الشرائية لنفس المبلغ الآن بنصف القيمة، فيكون خاسراً لو أنه أخذ ما دفع.
إذاً: هذه النصوص بعمومها يجب أن تؤخذ بالموازنة، وبملابساتها، ويراعى حديث: (لا ضرر ولا ضرار) .