لو اتفق صاحب الأرض مع صاحب النخل أن يتركه له، وأحياناً يمكن الاستفادة من رفع النخلة من مكان إلى مكان آخر، والاستفادة منه كغرسه، وأحياناً لا، وجاءت الروايات في هذا الحديث: (وإني لرأيتها تضرب بالفئوس وإنها لنخل عم -يعني طويلة-) يعني: لا يوجد رافعة لتنقلها في أرض أخرى، ولا يمكن رفعها إلا بتكسيرها، فحينئذ تكسر، وهنا في أول الحديث: أن الرجل غرس في أرض قوم؛ فلو أنه حينما جاء يغرس بحث فلم يجد لها معالم، وهي أرض بيضاء صالحة للزراعة، ولا يوجد فيها آثار تملك، وظنها أرض بيضاء لا ملك لأحد عليها فغرس.
هل معنى الظلم والتعدي موجود أم أنه الخطأ؟ حتى ولا الخطأ؛ لأنه رأى أرضاً بيضاء ليس فيها معالم تملك، والفقهاء ينصون في باب إحياء الموات: أن من أحيا أرضاً ميتة ملكها، وإذا استمر في إحيائها عشر سنوات، ثم مات وجاء أولاده فلم يستطيعوا الاستمرار في الإحياء فتركوها حتى اندثرت معالم الإحياء، وعادت مواتاً كما كانت قبل أبيهم، فهل يجوز لأحد أن يعيد إحياءها لنفسه لأنها صارت مواتاً أو لا يجوز ذلك؟ النزاع في هذه المسألة موجود، وعند الحنابلة لا يجوز ذلك؛ لأنه سبق عليها ملك لغيره.
هنا: إذا علم أن الأرض لقوم وغرس فيها بغير إذنهم -كما جاء في الزرع- وجاء بالوديان معتمداً وحفر الفِقَر وغرس النخل وسقى وكبر النخل وأثمر، ثم جاء صاحب الأرض - مسافراً، مسكين، مريض.
- ولم يعلم، بخلاف ما إذا علم من أول وهلة، ورآه يحفر، ولم يسأله، وتركه حتى جاء بالودي وغرسه وسقاه، وترك الأمر حتى صارت نخلاً عُماً، وأصبحت تؤبر وتثمر، وجاء يقول: أعطني أرضي ولماذا سكت حتى غرم هذا كله، وانتظرت حتى أصلحها ثم قلت له: أعطني أرضي؟! ولهذا يقول الفقهاء: هل يمكن الانتفاع من هذا النخل وهذه حاله أم لا؟ جاء الحديث بأنه ما كان يمكن في ذلك الوقت؛ لأنه صار نخلاً طوالاً، ولا يمكن رفعه وحمله وسحبه إلى أرض أخرى لكي يغرس فيها، واللفظ الآخر: (رأيتها تضرب بالفئوس) معناها: تحطم؛ لماذا؟ أليس هذا من إتلاف المال؟ نعم، ولكن قبل إتلافها الأمر صدر والحكم مضى، ولكن الحق لا يتعدى صاحب الأرض وصاحب النخل؛ فإن اتفقا فقال صاحب الأرض: اشترِ الأرض، وتبقى لك الأرض مع النخل.
فلا مانع، وإذا قال صاحب النخل: اشترِ مني النخل، واتفقا لا مانع، لكن هو ليس بمشتريه، وقد صدر فيه أمر بأن ينزع، لكن إن كان من باب الإصلاح واتفقا على ذلك فلا مانع.
لكن يأتينا هنا الأمر برفع النخل، وهناك في الزرع: (له النفقة) ، وهنا لم يقدر له نفقة، بل النخل يقطع ويرفع بعينه، إذا كان النخل المثمر هذا يقطع ويتلف فهل نبحث له عن نفقة؟ لا؛ لأنه أنفق في شيء لا يملكه، والأصل فيه التعدي.