قال رحمه الله: [وعن أبي هريرة رضي الله عنه في قصة العسيف، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (واغد -يا أُنيس - على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها) الحديث.
متفق عليه] .
هذا الحديث -يا إخوان- مباحثه كثيرة، ومواضيعه هامة وخطيرة؛ لأنه يتعلق بعدة أمور، وأول هذا الحديث، أنه جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه رجل آخر، فقال: يا رسول الله إن ابني هذا كان عسيفاً عند هذا -والعسيف: الأجير- فزنى بامرأته، فقالوا: على ولدك مائة شاة، فافتديت ولدي بمائة شاة فاقض بيننا -يا رسول الله- بكتاب الله، فقال صلى الله عليه وسلم: (نعم، سأقضي بينكما بكتاب الله، على ابنك جلد مائة وتغريب عام، وغنمك رد عليك، واغد -يا أُنيس - على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها) .
إذاً: القضية قضية حد من حدود الله، ومجيء والد العسيف مع زوج المرأة إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام له شأن، ولو أن الرجل جاء بولده فقط ولم يسم أحداً؛ ما طلب رسول الله المرأة؛ لأن الحد يقام على من أقر على نفسه، ولو أقر على امرأة بعينها لا يقبل منه؛ لأنه إقرار الغير على الغير، والرسول صلى الله عليه وسلم كما يقال: (يلم ولا يتبع) .
فـ الغامدية لما جاءت هل سألها: زنيت بمن؟ لا لم يسألها، وهكذا ماعز لما اعترف بأنه زنى، هل قال له: زنيت بمن؟ ما سأل، ولو قالت الغامدية: زنيت بفلان، وجاء فلان وقال: هي تكذب، فهل يمكن أن يقام عليه الحد بمجرد قولها؟ لا، وكذلك ماعز لو قال: زنيت بفلانة، وجيء بها وقالت: لا، هو يكذب، هل يقام عليها الحد لمجرد دعوى؟ لا، فلابد من أربعة شهود صفتهم كذا وكذا أو الإقرار من الشخص نفسه.
لكن هنا اجتمع الطرفان: الرجل يقر على ولده، وولده يسمع، وهذا يقوم بمثابة إقرار الولد، وزوج المرأة يسمع، وهذا لا يكون بمثابة إقراره عليها، لأنها لم تؤاخذ بإقرار زوجها بل قال: (اغد) ليسمع منها شخصياً.
فمن أهم مباحث الحديث: مجيء هذين طائعين طالبين إقامة الحد، وقد أفتي والد العسيف بفتوى خطأ، فقيل له: عليك أن تفدي ولدك بمائة شاة، وهذا حكم غير صحيح، وإذا رفع الحكم الباطل إلى ولي الأمر فإنه يلغيه، فقال: (غنمك رد عليك) ؛ لأن هذا باطل.