قال والد العسيف: اقضي بيننا، بكتاب الله، فقضى بينهما بكتاب الله وقال: (على ابنك جلد مائة وتغريب عام، واغد -يا أُنيس - إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها) ، فقضى بينهما بكتاب الله، الطرف الأول عليه جلد مائة؛ لقوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور:2] ، والجلد بكتاب الله، والطرف الثاني قال: (واغد -يا أُنيس - إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها) ، خذ المصحف! هل في المصحف رجم الزاني؟ هل تقرءون الآن في المصحف رجم الزاني؟ لا، لكن قال الأصوليون ومدققوا علماء الحديث: إن الرجم من كتاب الله؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (سأقضي بينكما بكتاب الله) وحكم في امرأة هذا بالرجم؛ لأنها محصنة، والعسيف ما هو محصن، بل هو أعزب بكر، والبكر عليه الجلد، وهذا في نص كتاب الله، وأين الرجم في كتاب الله؟ الرسول يقول: (سأقضي بينكما بكتاب الله) ، وقضى على المحصنة بالرجم، ونحن لا نجد الرجم في كتاب الله! وهل كتاب الله فيه ظاهر وباطن؟! لا، ولكن قضاء رسول الله من قضاء الله، {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم:3] ، وقال العلماء: بالإجماع كانت آية الرجم ثابتة في كتاب الله، ونصها: (والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله) ، ثم نسخ لفظها وبقي حكمها، وقد خطب عمر الناس يوم الجمعة وقال: (آية الرجم ليست في المصحف، ولكننا قرأناها ووعيناها، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا معه) .
فهي ثابتة في كتاب الله أو غير ثابتة؟ غير ثابتة الآن، وما الذي حصل؟ حصل نسخ اللفظ، وبقي الحكم.
وهنا يتساءل علماء الشريعة ما دام الحكم باقٍ فلماذا ينسخ اللفظ؟ قالوا: تكريماً لهذه الأمة، حتى لا يسجل على شيوخها أنهم زناة، فإذا بقيت تقرأ: (الشيخ والشيخة إذا زنيا) ، ففيه أن من شيوخ هذه الأمة زناة، لكن من دواعي الستر من المولى سبحانه على ضعاف هذه الأمة نسخ اللفظ وبقي الحكم، وها هو صلى الله عليه وسلم يقرر هنا أن الرجم في كتاب الله، فحكم بينهما بكتاب الله، وحكم على المرأة بالرجم، إذاً: الرجم في كتاب الله.