قال رحمه الله: [وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (أول ما كرهت الحجامة للصائم أن جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائم، فمر به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أفطر هذان، ثم رخص النبي صلى الله عليه وسلم بعد في الحجامة للصائم، وكان أنس يحتجم وهو صائم) رواه الدارقطني وقواه] .
انظروا إلى فقه المؤلف رحمه الله! ساق لنا الأحاديث التي بينها التعارض: ذكر أولاً حديث ابن عباس أن الرسول صلى الله عليه وسلم احتجم، ثم حديث: (أفطر الحاجم والمحجوم) ، ثم ختم البحث بحديث أنس، ماذا في حديث أنس؟ أنس ممن روى الحجامة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذي سئل: (أكنتم تكرهون الحجامة للصائم؟ قال: لا، إلا إبقاءً عليه) فحديث أنس هذا فصل الخطاب.
[قال: (أول ما كرهت الحجامة للصائم أن جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائم) ] .
انظروا إلى عرض أنس رضي الله تعالى عنه! لم يقل: رخص النبي بالحجامة للصائم لا، بل أتانا بتاريخ الحجامة شرعاً: (أول ما كرهت الحجامة) يعني: هو مستوعب لفقه الحجامة من أولها، ما أولها؟ (أول ما كرهت) يعني قبل قصة جعفر لم تكن مكروهة، كانت ماضية في سبيلها، وأول ما كرهت لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم جعفر يحتجم، فقال: (أفطر الحاجم والمحجوم) .
قال: [ (فمر به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أفطر هذان، ثم رخص النبي صلى الله عليه وسلم بعد في الحجامة للصائم) ] .
لما أخبرنا أنس رضي الله تعالى عنه عن بداية كراهية الحجامة بسبب احتجام جعفر رضي الله تعالى عنه، ومرور النبي صلى الله عليه وسلم به وهو يحتجم بالفعل، وقوله لهما: (أفطر هذان) ؛ يأتي أنس بالحكم العملي والفقهي: (ثم رخص بعد ذلك) ثم رخص بعد ذلك في الحجامة للصائم.
إذاً: حديث أنس هذا يدلنا على أن الحجامة أول كراهيتها عند قصة جعفر، وبعد ذلك رخص في الحجامة للصائم.
إذاً: تكون الحجامة للصائم رخصة، والرخصة تستعمل عند الحاجة، فإذا كان الصائم في حاجة إلى الحجامة نهاراً فعنده رخصة باستعمالها، ولا قضاء عليه، أما إذا كان في غنىً عنها، وعنده ما ينوب عنها، أو عنده سعة ويمكن أن يؤجلها إلى الليل فليست له رخصة فيها، بل يتركها لغيرها أو يتركها لوقت آخر ليس هو فيه صائم، وأعتقد أن حديث أنس هذا هو الفصل، وتقدم لنا عن الشافعي رحمه الله أنه قال: ينظر في حالة الشخص الذي يريد أن يحتجم: إن كان يستطيع أن يتحمل أثر الحجامة من الضعف والفتور، ولا يلجأ إلى الفطر؛ فلا مانع، وإن كان لا يستطيع ذلك فيمتنع من الحجامة.
وهكذا سماها أنس رضي الله تعالى عنه رخصة للصائم، يعني: لا تستعمل إلا عند الحاجة الداعية إليها، والله تعالى أعلم.