قال المصنف رحمه الله: [وعن شداد بن أوس (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى على رجل بالبقيع وهو يحتجم في رمضان، فقال: أفطر الحاجم والمحجوم) رواه الخمسة إلا الترمذي، وصححه أحمد وابن خزيمة وابن حبان] .
قوله عليه الصلاة والسلام: (أفطر الحاجم والمحجوم) ، حُمل على أنه فطر حقيقي، ومشى على هذا الحنابلة، وحمله الجمهور على أنهما أوشكا أن يفطرا، أما الحاجم فلإمكان سبق الدم إلى حلقه فجوفه، وهذا نظيره حديث لقيط بن صبرة حيث جاء في باب الوضوء: (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) لماذا؟ لأن المبالغة في الاستنشاق قد تنزل الماء إلى داخل أنفه، فيصل إلى الدماغ، فينزل إلى الحلق فيبطل صومه، فالنهي عن المبالغة في الاستنشاق للصائم تحفظاً على صومه من أن يسبقه الماء إلى حلقه فجوفه فيبطل صومه، وكذلك هنا منع الحاجم أن يحجم أحداً تحفظاً على صومه من أن يسبقه الدم إلى حلقه فإلى جوفه فيفسد صومه.
أما المحجوم فهو تحفظ عليه؛ لأن في الحجامة إخراج الدم، والإنسان إنما يسير بالدم، فالدم في الجسم هو حياة الإنسان، ويسمى الدم نفْساً كما في قولهم: (ما لا نفْس له سائلة إذا مات في السمن لا ينجسه) مثل: الذباب إذا وقع في الشراب تغمسه في السائل ثم تشربه إن شئت؛ لأن موته فيه لا ينجسه؛ لأنه لا نفس له سائلة، فالدم يطلق عليه النفْس، وإذا خرج الدم من الإنسان اصفر وصار كالشن، أي: كالقربة الفارغة لا قيمة له، وفارق الحياة، فإذا احتجم الإنسان يضعف قليلاً، وقد يحجمه من لا يعرف قانون الحجامة، فيسحب كل الدم، فحينئذ ينهي دم صاحبه، وقد يموت بين يديه! ولكن الخبراء في عمل الحجامة يعرفون المقدار الذي يؤخذ، وفي أي موضع من المواضع، إما بتغير لون الدم، وإما بتغير ريحه، ويعرفون الموضع الذي يحجم فيه كم يمكن أن يؤخذ منه، ويراعون سن المحجوم، فهؤلاء لهم خبرة، فإذا لم يكن الحاجم ذا خبرة، أو أخطأ في خبرته، وتجاوز حد ما يؤخذ من الدم، فحينئذ يكون المحجوم على خطر.
فـ (أفطر الحاجم والمحجوم) أي: أوشكا أن يفطرا.