شرح حديث: (اكتحل في رمضان وهو صائم)

قال رحمه الله: [وعن عائشة رضي الله تعالى عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم اكتحل في رمضان وهو صائم) رواه ابن ماجة بإسناد ضعيف، وقال الترمذي: لا يصح في هذا الباب شيء] .

هذا مما يتعلق بما يكره للصائم وما يجوز، وقد تكلمنا عن الحجامة، وذكرنا الخلاف الخفيف فيها، وقول أنس: إنها رخصة للصائم عند الحاجة، ثم أتى المؤلف بموضوع الاكتحال، وأتى بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم اكتحل) ، و (اكتحل) : افتعل بوضع الكحل، والكحل محله العين، ومن هنا أخذ بعض العلماء أن الاكتحال لا يضر الصائم، ولكن نص بعض العلماء أن الكحل له حالتان: حالة يكون خفيفاً جداً لا يتعدى موضعه، وحالة يصل فيها إلى الحلق، فإذا كان يصل إلى الحلق فقد أفطر الصائم؛ ولذا نص الحنابلة على أن من المبطلات والمفسدات للصوم: إذا اكتحل بما يصل إلى الجوف، وهناك أشياء تسري، وهناك أشياء لا تتعدى موضعها، ولكن تمنع سداً للباب، وجاءت آثار فيها النهي عن الاكتحال بالإثمد المطيب، أو الإثمد المروح.

فمن أجاز الاكتحال للصائم قال: النهي عن نوع خاص وهو الإثمد المروح -يعني: الذي فيه رائحة طيبة-؛ لأن الصائم ممنوع من استعمال الروائح الطيبة، ولكن الإثمد مهما كان مروحاً لا يصل إلى حد أن يمنع الصائم منه من أجل الرائحة، وكراهية الروائح الطيبة للصائم إنما هي من قبيل باب القُبلة، قالوا: لأن عرقا الخصيتين في الإنسان مرتبطة بالأنف، فإذا شم رائحة زكية تحرك عليه العرقان؛ فمنعوا من الروائح الطيبة الصائم والحاج، فالحاج إذا أحرم لا يحق له أن يتطيب؛ لأنه مدعاة إلى الإثارة، إذاً: الطيب من حيث هو ليس ممنوعاً، ولكن الممنوع موجب الإثارة، ومهما يكن في الإثمد من رائحة لا تصل إلى الحد الذي يثير عند صاحبه شيئاً.

إذاً: النهي عن الاكتحال إنما هو لكونه في العين، والعين منفذ، فإذا وصل إلى الحلق -كما قال الحنابلة- فإنه حينئذ يكون قد أدخل شيئاً إلى الجوف عامداً، وحينئذ يمتنع عليه أن يكتحل.

والذين يقولون بأن الكحل يؤثر على الصوم يلحقون به كل معالجة للعين ما عدا الماء، فيمنعون الَصِبر للعين، وكذا التوتياء أو الششم أو القطرة، أو أي محلول فيه مادة كيماوية، ويجعلون كل نوع من أنواع المعالجات التي تصل إلى الحلق تابعة للإثمد.

أما علاج العين بالماء فهذا أمر جائز، والإنسان يغسل وجه في الوضوء أكثر من مرة، ومن أنواع علاج العين بالماء: إذا كانت هناك رجرجة أو كانت هناك حرارة، أن تأخذ كأساً من الماء البارد العادي، وكما يقول بعض الأطباء: يبيته في الخلاء في الليل، ثم يأخذه صباحاً، ويفتح العين فيه، ويكون الإناء مليئاً بالماء، ويضعه على بؤبؤ العين، ويحرك حاجبيه أو رمشيه، فيدخل الماء البارد تحت الحاجب هنا أو تحت الرمش -كما يقولون- ويصل إلى شحمة العين، فيستخلص الحرارة منها، هذا نوع من العلاج، وينفع من ضعف البصر في بعض الأحيان، لكن لا دخل له ولا سريان له إلى الدماغ.

إذاً: الكحل للصائم ممنوع، ويلحق به كل ما له نفوذ من العين إلى الجوف، واعتبروا العين منفذ، والأنف منفذ، والأذن عند الحنابلة أيضاً منفذ، وكل دواء لهذه الجهات أو عن طريقها يصل أثره إلى الحلق فهو مبطل للصوم، والله تعالى أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015