قال المؤلف: [وللدارقطني عن معاذ رضي الله تعالى عنه قال: (فأما القثاء والبطيخ والرمان والقصب، فقد عفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم) ، وإسناده ضعيف] .
المؤلف رحمه الله يعلم بأن هذا الأثر ضعيف، فـ معاذ يأتي وكأنه يقول: أمرنا أن لا نأخذ الصدقة إلا من الأصناف الأربعة، وكأن هناك سؤالاً مقدراً: وما عدا تلك الأصناف مما تنبت الأرض ما حكمه؟ فقال: (أما القثاء والبطيخ والقصب) .
فالقثاء يلحق به الخيار، والبطيخ يلحق به الشمام والدباء وقصب السكر.
قوله: (فقد عفا عنه رسول الله) معاذ ذكر أنواع الخضروات وأن ما عدا الأصناف الأربعة فإنها لا زكاة فيها، فيكون هذا الخبر من معاذ رضي الله تعالى عنه موضحاً لمفهوم: (لا تأخذا الصدقة إلا من هذه الأصناف الأربعة) أي: وما عداها لا زكاة فيه، فالمفهوم أتى مصرحاً به هنا، ولكنه ضعيف.
والخبر الضعيف إنما يبين مفهوم المخالفة فيتقوى في ذاته؛ لأنه لم يكن أصلاً في التشريع، وإنما جاء تابعاً لمفهوم مخالفة الصحيح، فهو يكفي إذا لم يعارضه غيره، وهنا جاء معاذ رضي الله تعالى عنه بالتنصيص على هذه الأصناف الأربعة من الخضروات.
ويذكرون بأن البيهقي رحمه الله قال: وإن كان هذا الأثر ضعيفاً فإنه قد أيد بآثار أخرى عن السلف، وتقدم لنا قصة عثمان مع عامله في الطائف، وكذلك عمر بن عبد العزيز، والخلاف عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أيضاً.
فعلى هذا ينتهي الأمر في البحث على أن الإجماع على الزكاة في الأربعة الأصناف، والخلاف فيما عدا ذلك، واتفق الأئمة الأربعة -دون النظر إلى مخالفة الشافعي وأحمد في قول آخر - على أن كل مكيل مدخر قوت فهو لاحق بتلك الأصناف الأربعة قياساً، وإذا كان هذا ما اتفق عليه الأئمة، فأعتقد أنه ليس هناك إنسان يجرؤ على أن يرد أمراً اتفق عليه الأئمة الأربعة رحمهم الله، ومهما قدم من أدلة أو نصوص معارضة فلن يأتي بجديد؛ لأن تلك النصوص قد مرت على السلف، وعلموها وفهموها ودرسوها، وبعد هذا كله اتفقوا على إلحاق المكيل والقوت والمدخر بالأصناف الأربعة.
وأما ما لم يكن قوتاً أولم يكن مكيلاً أو مدخراً، فهذا الخلاف فيه قوي، والله تعالى أعلم.