الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين، سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف رحمه الله: [وعن علي رضي الله عنه في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ومسح برأسه واحدة) أخرجه أبو داود، وأخرجه الترمذي والنسائي بإسناد صحيح، بل قال الترمذي: إنه أصح شيء في الباب] .
في حديث عثمان رضي الله تعالى عنه قال: (ثم مسح برأسه) ، ولم يبين لنا العدد، فهل يكرر المسح ثلاثاً كبقية الأعضاء المغسولة أم لا؟ فـ الشافعي يرى أن مجمل كلام عثمان في مسح الرأس يحمل على بقية الأعضاء، ولكن الجمهور يقولون بمسحة واحدة؛ لأن المسح لا يتشرب معه الرأس الماء، فإذا مسحناه أكثر من مرة فسيكون كأننا غسلناه، ولهذا قال العلماء: لا يتكرر.
فجاء المؤلف رحمه الله بحديث علي رضي الله عنه، وفيه النص على أنه مسح مرة واحدة، فنحمل ما سكت عنه عثمان رضي الله تعالى عنه على النص الوارد هنا على أن المسح مرة واحدة.
قال: [وعن عبد الله بن زيد بن عاصم رضي الله عنهما -في صفة الوضوء- قال: (ومسح رسول الله صلى الله عليه وسلم برأسه فأقبل بيديه وأدبر) متفق عليه] .
هذا الحديث يماثل حديث عثمان رضي الله عنه في بيان كيفية وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، وبعض العلماء يجعله الأصل بدلاً من حديث عثمان، ويبني عليه كل النصوص التي تأتي في باب الوضوء، فحديثي عثمان وعبد الله بن زيد كلاهما مستوف ومكتمل.
فمما ذكره حديث عبد الله بن زيد بيان كيفية مسح الرأس، وقد أتى المؤلف بحديث علي في بيان مسح الرأس؛ لأن عثمان أجمله، ولم يبين العدد، ولا الكيفية والهيئة، فاضطر المؤلف أن يأتي بنصوص أخرى ليبين لنا كيف يكون مسح الرأس، أما من حيث العدد فأخذا من حديث علي أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح مرة واحدة، وهذه المرة كيفيتها يبينها حديث عبد الله بن زيد.
فقال: [وعن عبد الله بن زيد بن عاصم رضي الله عنهما -في صفة الوضوء- قال: (ومسح رسول الله صلى الله عليه وسلم برأسه فأقبل بيديه وأدبر) متفق عليه، وفي لفظ لهما: (بدأ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه) ] .
فقوله: (بدأ بمقدم رأسه) مقدمة الرأس هي الناصية، وجاء في بعض الآثار: (مفرداً أو مفرقاً أصابعه) .
وقوله: (ثم ذهب بهما إلى قفاه) أي: اليدين ذهب بهما إلى قفاه، والقفا ليس من الرأس، ونحن قلنا: الغاية إذا كانت من غير المغيَّا فليست بداخلة، فلا تذهب إلى القفا وتقول: هذا داخل في المسح.
وإنما تمسح إلى أواخر الرأس؛ لأنه يريد أن يبين لنا استيعاب الرأس، فقال: (بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه) ، وتكون السبابة على منتهى منابت الشعر من القفا.
قال: (ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه) ، وهذه بإجماع المسلمين أكمل صورة في مسح الرأس في الوضوء.