ذهبت طائفة من أهل العلم إلى أنه يمسح ولو ثلاث شعرات، والذي يقول بهذا القول الشافعي، وقد نقل عنه هذا القول الشافعية وردوه، والنووي ذكر ذلك ورده؛ لأنه فيه بعد كثير.
ومأخذ الشافعية في الاكتفاء ببعض الرأس أنهم قالوا: حرف الباء في قوله: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة:6] للتبعيض، وبعض الرأس يصدق على ثلاث شعرات.
ونحن لا نناقش من ناحية مذهبية، ولكن نريد أن نعرف كيف أخذوا هذا الرأي، حتى لا نقول: هذا تفريط منهم، فهذا المنهج لنطمئن إلى ما ينقل من الأقوال عن الأئمة رحمهم الله.
وهناك من يقول: يمسح ربع الرأس وهم الأحناف، قالوا: وتقدر الناصية بربع الرأس.
فإن قيل لهم: إذا كانت الناصية تجزئ فلماذا تمسح العمامة؟ يقولون: يجمع بين أقل ما يجزئ وأكمل ما ينبغي، فأقل ما يجزئ الربع، والتعميم على العمامة للتعميم والشمول.
وهذه هي وجهة نظر الأحناف.
أما الحنابلة والمالكية فقالوا بالتعميم، وقالوا: إذا كان المسح مجملاً في الآية، والباء مجملة أيضاً -لأن لها عدة معانٍ كالابتداء والإلصاق وغير ذلك- فإن السنة المبينة لم تنقل لنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اكتفى بالربع أو بالثلث، بل أقبل بهما وأدبر.
فقيل لهم: هذا للكمال، وهذا متفق عليه، فماذا تقولون في المسح على الناصية؟ قالوا: مسح على الناصية، ولا يجزئ الربع لأنه أتم الواجب على العمامة، وأنتم تقولون: يكتفى بالناصية؛ لأنها أقل ما يجزئ، والمسح على العمامة تكملة للأفضل! مثل الذي يتوضأ فيغسل مرة مرة، والآخر يتوضأ فيغسل ثلاثاً ثلاثاً، فهذا أقل ما يجزئ، وذاك أفضل ما يعمل.
ونحن نريد من هذا ناحية منهجية فقط، وهي تحقيق المسألة، والخلاف موجود من قبل، ولا نستطيع أن نرفعه، لكن عندما نمر على هذا الفعل ما الذي تطمئن إليه النفس في هذه المسألة، هل مسح ثلاث شعرات، أم ربع الرأس، أم الإقبال والإدبار بالكفين؟ لاشك أنه الإقبال والإدبار باليدين؛ حيث إنه ليس في ذلك شك ولا تساؤل، فإن كان الربع يجزئ فالحمد لله، فالإقبال بهما فيه الربع وزيادة، ويكون الإنسان على طمأنينة بأنه نفذ صورة ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم، ويكون مطمئنا إلى أقصى حد.
وأما المسح على العمامة فإنهم يقولون: يشترط في العمامة التي يجوز المسح عليها -سواءٌ مع الناصية أو دونها- أن تكون عمامة محنكة، والمحنكة يكون لها طرف في اللفافة، والطرف الآخر يأتي من تحت الحنك إلى فوق الرأس، فتكون هذه محكمة، ويشق على صاحبها أن ينقضها، فقالوا: لوجود المشقة جاز المسح عليها، حتى إن بعض الناس قال: لو كان من عادة بعض البلاد أن النسوة يتعممن لجاز لهن أن يمسحن على العمامة، فبعض النسوة تتعمم بعمامة من نوع خمارها، فليست العمامة خاصة بالرجال، كما أن المسح على الخفين ليس خاصا بالرجال، وليس مقصوراً على الشتاء والبرد وغيره، وإنما على مشقة اللبس والنزع.
والمسح على العمامة من حيث هو له مبحث مستقل في باب المسح على الخفين، ولكن ذكرناه لمناسبة قوله: (وأتم على العمامة) ، فالعمامة التي يمكن أن يتم عليها هي المحنكة التي يشق على صاحبها نزعها ولبسها، وهناك بعض العمائم مثل (الطربوش) تنزع وتطرح، وتكون العمامة مربوطة على طاقية، فلا كلفة في نزعها، فهي ملفوفة جاهزة، فمثل هذه لا مشقة فيها، فالعمائم التي يتمم عليها المسح مع الناصية أو التي يقتصر على مسحها فقط هي التي يكون فيها نوع من المشقة عند حبكها على الرأس.