قال: [وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه -في صفة الوضوء- قال: (ثم مسح برأسه، وأدخل إصبعيه السباحتين في أذنيه، ومسح بإبهامه ظاهر أذنيه) أخرجه أبو داود والنسائي، وصححه ابن خزيمة] .
وهذه المسائل زائدة على ما جاء في صفة وضوء عثمان رضي الله تعالى عنه؛ لأن عثمان رضي الله تعالى عنه لم يذكر لنا في الأذنين شيئاً، وستأتي نصوص أخرى تبين الماء الذي تمسح به الأذن هل هو ماء مسح الرأس، أم يأخذ ماءً جديداً؟ ويهمنا الآن في الكيفية، حيث قال: (أدخل أصبعيه السباحتين) ، وهما الأصبعان اللتان تليان الإبهام، وتسمى الواحدة منهما: السباحة والسبابة، والتي تليها تسمى الوسطى، وبعدها الخنصر والبنصر.
قوله: (أدخل أصبعيه السباحتين في أذنيه) بعض علماء البلاغة يقولون: هنا المجاز اللغوي علاقته الكلية، فذكر الكل وأراد الجزء، بعكس العلاقة الجزئية، فإنه يذكر الجزء ويريد به الكل، مثل قولك: أرسل الأمير عيناً له، وكأن تذكر جزءاً من الإنسان وتريد كله، لكن العلاقة الجزئية يشترط فيها أن تكون هي المقصودة بالكل؛ لأن الذي يرسل إنسانا ليتجسس على الناس لا يتجسس برجله ولا بفمه، ولكن يتجسس بعينه.
وهنا لم يدخل السباحة كلها، وإنما طرف الأنملة منها، فهنا لم يقل: أدخل طرف السباحة.
بل قال: (السباحة) ، وهذه مناقشة لغوية، فأدخلهما بقدر ما يسعهما من تجويف الأذن الخارجي، فالأذن ثلاثة أقسام: القسم الخارجي، والأوسط، والطبلة.
ويقولون: كل عضو نافذ إلى الجسم له صمام، فالفم له الشفتان، والعينان لهما الرموش تحميهما من التراب والأذى، والشفتان يغلق بهما الفم فلا يدخل إليه شيء من الأوساخ، أما الأذن فإنها مفتوحة، فعندما ينام وهي مفتوحة فالذباب يمشي، والحشرات تمشي، فما هو الذي يمنع هذه الموذيات من الدخول إلى الأذن؟! فإن الله جعل الأذن تفرز مادة شديدة المرارة لا تقوى حشرة أن تقرب منها، فأحيانا هذه المادة قد تزيد، وقد ينزل منها بعض الشيء، أو لأن الأذن جوفية يأتي الغبار فيعلق في هذا التجويف، فكلما توضأ ومسح لا تبقى رواسب تعمل عفونة أو مرضا، أو أي شيء آخر يؤذي الأذن، ولا شك أنها تنظف دائماً، فلذلك أقل الناس الذين يصابون بأمراض الأذن هم المسلمون.
وسيأتي نص بأنه أدار إبهامه خلف الأذن، وإذا كنا قد علمنا أن تنظيف السبابة للأذن يكون من الأوساخ، فما هي العلة في مسح خلف الأذن؟ إن صلة الأذن بالرأس تجعلها أشد إفرازاً للعرق، وأشد حساسية، فلو جلست بعرقها وبالمادة الدهنية التي تفرزها ربما التهب الجلد وتآكل وانفصلت الأذن عن الرأس، فكلما توضأ ومسح بالسباحة المادة الدهنية، وجعل الإبهام تمر على الأذن الخارجي بقيت سليمة معافاة، ونحن لا نعلل للسنة، ولكن نقول: هذا من فضل الله علينا، ومن حكمة التشريع في مسحها.
والحكمة من أن الفم والعينان عليهما غطاء والأذن ليس عليها غطاء هي أن الإنسان -كما قالوا- إذا نام، ومر إنسان بجواره لا يراه، وأراد أن يناديه أو يوقظه، فإنه يحتاج إلى أن يذهب إلى جواره ويلمسه بيده حتى يفتح الغطاء ويسمع منه، فعندما يكون نائما، وكل الحواس والأعصاب نائمة، وباب السمع مفتوح بلا غطاء يصل إليه الصوت من بعيد، ويأتيه من جميع الجهات الأربع فيسمع ويستيقظ، ونحن نجد أجهزة (الرادار) يصنع لها مظلة حتى تصطاد الصوت.