قالت رضي الله عنها: (ثم رفع يديه فلم يزل حتى رئي بياض إبطيه) .
في هذا الحديث: (ثم رفع يديه ولم يزل حتى رئي بياض إبطيه) يقال: كيف هذا الترتيب؟ فهل كونه رفع ولم يزل حتى رئي بياض إبطيه هو قبل الرفع أو بعد الرفع؟ هنا حذف خفي على بعض الناس، فادعى أنه لم يرفع يده في دعاء إلا الاستسقاء، كما جاء في أثر أنس: (ثم رفع يديه ولم يزل يرفع ويرفع حتى رئي بياض إبطيه) يعني: بالغ في رفع يديه في دعائه في الاستسقاء حتى رئي بياض إبطيه، بخلاف المواقف الأخرى، فيمكن أن يرفع يديه حذو منكبيه، أو حذو أذنيه ولا يرى بياض إبطيه، لكن هنا في شدة الضراعة واللجوء إلى الله وإظهار الحاجة بالغ في رفع يديه حتى رئي بياض إبطيه.
وهنا ينقل العلماء عن النووي رحمه الله، أنه أنكر على من ينكر رفع اليدين في الدعاء مطلقاً، ويقول: لم يأتِ رفع اليدين إلا في الاستسقاء، كما في حديث أنس: (ما رفع يديه إلا في الاستسقاء) وأجاب العلماء عن قوله: (ما رفع يديه) أي: على تلك الحالة التي رئي فيها بياض إبطيه إلا في الاستسقاء.
يقول النووي رحمه الله: ولقد جمعت في ذلك رسالة فوق الثلاثين حديثاً في رفع اليدين، في عموم الدعاء، وذكر ذلك في كتاب (المجموع) في نهاية باب الصلاة، وينقله العلماء عنه لنفاسته.
وقال بعد أن ذكر الأحاديث: ومن ظن أنه لا ترفع الأيدي إلا في هذه المواطن فهو جاهل.
أي: إن العبرة بعموم الأحاديث في رفع اليدين عند كل دعاء، ومن أعم ما جاء في هذا قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله ليستحيي من عبده أن يمد إليه يديه فيردهما صفراً) يعني: لابد أن يجيبه، كما لو جاءك السائل فإنك تستحيي أن ترده بلا شيء، فتعطيه ما تيسر، فكذلك الله تعالى يستحي من عبده إذا مد إليه يديه، لم يعين ولم يحدد صلى الله عليه وسلم في أي شيء يمد يديه بل جعله على العموم.
وقولها: (رفع يديه ولم ينزل) أي: لم يزل يرفع ويرفع حتى رئي بياض إبطيه صلى الله عليه وسلم.