الجمهور على أن الذي يضبط صلاته ولا يسهو بصلاته، ويقبل على صلاته بقلبه وقالبه، ويتقن ظاهرها وباطنها أكمل بلا شك، لكن من يقول: إن الذي لا يسهو في صلاته أكمل وأفضل يقول: إن الذي لا يسهو في صلاته اهتم لظاهر الصلاة، اهتم للأعداد؛ لأنه لو اهتم للبها، وأقبل على ما يقرأه، وما يجري على لسانه من ذكر بقلبه لا بد وأن يغفل عن ظاهر الصلاة، لكن لا يمنع أن الإنسان يكون أكمل هذا كله، أن يضبط ظاهر الصلاة وباطن الصلاة لا يمنع، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وليس في مثل هذا القول تسلية لمن يدخل بجسمه في الصلاة دون أن يحضر قلبه في شيء منها؛ لأنه ليس له من صلاته إلا ما عقل، ليس له من صلاته إلا ما عقل، قد يخرج من الصلاة وليس له من صلاته شيء، ومع ذلكم لا يؤمر بإعادتها؛ لأنه جاء بها بشروطها وأركانها، لكنه ما عقل منها شيء ((وإنما لكل امرئ ما نوى)) فالذي لا يسهو في صلاته ويضبط صلاته ظاهراً وباطناً أكمل وأشمل بلا شك، والذي يعتني بظاهر الصلاة ويضبط عدد الركعات ويغفل عن محتوى الصلاة ولب الصلاة هذا نقص بلا شك، بل هو نقص أشد ممن يقبل على صلاته بقلبه وينسى ظاهرها، وليس هذا من علم من يفرق بين الظاهر والباطن، لا، هما متلازمان في الأصل، لكن لا شك أن ما يتعلق بالقلب أولى مما يتعلق بالجوارح، لا سيما إذا لم يكن المتعلق بالجوراح من الأركان.
ظهرت المسألة وإلا ما ظهرت؟ لأن فيها شيء من الخفاء، فيها شيء من الدقة، كيف يقول قائل: إن الذي يسهو في صلاته أكمل؟ يقول: ما سها في صلاته وزاد ونقص إلا لانشغاله بلب الصلاة، والذي ينشغل بشيء لا بد أن يكون على حساب شيء، فإذا انشغل بظاهر الصلاة وفي الغالب أن الذي ينشغل بظاهر الصلاة بحيث لا يزيد فيها ولا ينقص مع انصرافه عن باطنها أن في إخلاصه شيء، قد يكون إمام ويلاحظ المأمومين أكثر من ملاحظته لمن وقف بين يديه، ألا يمكن أن يوجد مثل هذا؟ يوجد.
وعلى كل حال على الإنسان أن يقبل ويتمثل أنه بين يدي الله -عز وجل-، فيقبل على صلاته مخبتاً منيباً إلى الله -عز وجل-، يستحضر ما يفعل وما يقول.