ولذا قال: ((إنما أنا بشرٌ مثلكم أنسى كما تنسون)) ونسيانه -عليه الصلاة والسلام- من أجل التشريع، وهذا من رحمة الله -جل وعلا- بالأمة, ((فإذا نسيتُ فذكروني)) ليترتب على هذا النسيان التعليم والبيان بالفعل إضافةً إلى البيان بالقول، فإذا تضافر القول مع الفعل ثبت العلم ورسخ، وإلا بالإمكان أن يشرح النبي -عليه الصلاة والسلام- هذه الأمور بقوله -عليه الصلاة والسلام- دون أن يقع له شيء من النسيان، لكن ليتضافر التعليم بالقول والفعل تسلية للأمة، وبعض أهل العلم -وإن كان الجمهور على خلافه- يقرر أن الذي ينسى ويسهو في صلاته أكمل ممن لا ينسى ولا يسهو {الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} [(5) سورة الماعون] ولم يقل: الذين هم في صلاتهم ساهون، لماذا صار الذي يسهو في صلاته أكمل من الذي لا يسهو عند هؤلاء؟ وإلا لا شك أن السهو نقص يعتري الإنسان وليس بكمال، لكن بما يبرر ويعلل من يقول: إن الذي يسهو أكمل من الذي لا يسهو؟ يعني كونه حصل من النبي -عليه الصلاة والسلام- قضايا أربع أو خمس قضايا سها فيها في صلاته هل يعني هذا أن هذه هي القاعدة المطردة أو أن هذا خلاف الأصل؟ هذا خلاف الأصل؛ لما أشرنا إليه، لكن يبقى أن الذي يسهو في صلاته والذي لا يسهو الأكثر على أن الذي لا يسهو في صلاته هذا دليلٌ على أنه أقبل على صلاته، وأحضر قلبه في صلاته، لكن حجة من يفضل الذي يسهو على الذي لا يسهو أنه قد أقبل على لب الصلاة وترك ظاهر الصلاة، يعني الذي لا يسهو ضبط الأركان، ضبط الركوع والقيام والقعود وعدد الركعات وكذا، لكن هل يعني هذا أنه ضبط ما يقرأه وما يجري على لسانه من ذكر؟ واستشعر استشعاراً تاماً أنه بين يدي الله -عز وجل- فغفل عن ظاهر الصلاة؟ ترى المسألة فيها شيء من الدقة يا الإخوان.