"ووقع في البزار من وجه آخر: ((أربعين خريفاً)) " وهذه وإن كان رجالها رجال الصحيح إلا أنها محكوم عليها بالشذوذ من قبل الأئمة، ولو صحت لكان فيها بيان لما أهمل في الحديث، ولعل ترك التمييز لتسرح فيه النفس كل مسرح، وليتعاظم أمره، قد يقول قائل: يمكن أعظم من أربعين خريف، أعظم من أربعين، أكثر من أربعين سنة، يمكن أربعين قرن، فمثل هذا إذا لم يذكر التمييز صار أشد في التحذير والتخويف.
الحديث الذي يليه:
حديث "عائشة -رضي الله عنها- قالت: "سئل النبي -عليه الصلاة والسلام- في غزوة تبوك عن سترة المصلي" يعني عن ارتفاعها كما بينه الجواب، وإلا فالسؤال عن السترة يحتمل جميع ما يتعلق بها من طولها وعرضها وحكمها ومكانها، وكيفية وضعها، المقصود أن الجواب "قال: ((مثل مؤخرة الرحل)) عند مسلم والنسائي والبيهقي وغيرهم، هذا الطول والارتفاع ((مثل مؤخرة الرحل)) يعني بقدر ثلثي ذراع، بقدر ثلثي ذراع، ويذكر أهل العلم الحكمة من اتخاذ السترة للصلاة منع من أراد أن يجتاز دونها، قالوا: وكف البصر عما وراءها لكي ينظر المرء موضع سجوده، ينظر مسجده –يعني موضع سجوده- ولا يتجاوز السترة، ويمنع من أراد أن يمر بين يديه، بينه وبين سترته " ((مثل مؤخرة الرحل)) أخرجه مسلم".
الحديث الذي يليه:
حديث "سبرة بن معبد" فيه أيضاً هذاك من حيث الطول، وهذا من حيث العرض ((ليستتر أحدكم في صلاته ولو بسهم)) ((ليستتر أحدكم في صلاته ولو بسهم)) يعني في دقته، بالنسبة للعرض، أما الطول كمؤخرة الرحل، والعرض ولو بسهم، وهذا الحديث حسن مخرج عند الحاكم، وقبله عند أحمد وابن خزيمة والبيهقي وابن أبي شيبة.
((ليستتر)) اللام لام الأمر، والأصل في الأمر الوجوب، اللام لام الأمر، والأصل في الأمر أنه للوجوب، وقد قال به جمع من أهل العلم، وحمله الجماهير على الندب لوجود الصوارف، لوجود الصوارف منها كون النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى إلى غير جدار، ولو كان الأمر للوجوب لما صلى النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى غير سترة، فمثل هذا الأمر محمول عند جمهور أهل العلم على الندب، وإن قال بعضهم بالوجوب.