نأخذ من هذا مثل ما ذكرنا سابقاً أن الإنسان يستدرك، وينتقد بقصد الحق، وبيان الحق، لا لازدراء الناس وانتقاصهم، ولا حباً للظهور، فمثل هذا جرت العادة أنه يخذل، فتقع منه المضحكات، وذكرنا مثال على هذا ولا نريد التسمية، نريد العبرة فقط من هذا.
((لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه من الإثم لكان أن يقف -هذا الجواب- لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه)) هذا فيه دليل على تحريم المرور بين يدي المصلي، تحريم المرور بين يدي المصلي، ويأتي ما يبين ذلك؛ لأن المالكية لهم تفصيل، تفصيل يتعلق بالمار وبالمصلي؛ لأنهم يرون أن المار إذا لم يكن له مندوحة لم يكن للمار مندوحة، والمصلي لم يستتر فالإثم على المصلي، إذا كان للمار مندوحة وقد استتر المصلي فالإثم على المار، إذا استتر المصلي وليس للمار مندوحة لا إثم عليهما، إذا كانت هناك مندوحة للمار ولم يستتر المصلي فالإثم عليهما معاً، وهذا تفصيل يرده حديث أبي سعيد على ما سيأتي، فعلى كل حال الأمر ينبغي أن يعتنى به ويحتاط له، فالسترة جاء الأمر باتخاذها على ما سيأتي، فعلى الإنسان أن يستتر على الخلاف في حكمها، فإذا استتر ليس لأحد أن يمر بين يديه مهما كانت ظروفه، ويستوي في ذلك المساجد التي تزدحم بالمصلين كالحرمين والجوامع، وغيرها، إلا أن المشقة تجلب التيسير، يعني في أوقات المواسم لو انتظر الإنسان حتى ينتهي المصلون ما خرج من المسجد، فالمشقة حينئذٍ تجلب التيسير، وعلى هذا يصلي الإنسان في مثل هذه الأماكن دون سترة ويمر الناس بين يديه، وقد صلى النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى غير جدار، قد يقول قائل: إنه صلى إلى غير جدار لكن صلى إلى سترة سهم مثلاً، نقول: لا، يقول ابن عباس: يعني إلى غير سترة، وهذا للمشقة الحاصلة بالمكان، صلى والناس يمرون بين يديه، فالمشقة تجلب التيسير.
((لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه)) يدي المصلي، والحديث مخرج عند الجماعة كلهم، البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد ومالك وغيرهم، هو مخرج في دواوين الإسلام "واللفظ للبخاري" وعرفنا أن لفظة: ((من الإثم)) لا توجد في جميع روايات الصحيح إلا عند الكشميهني.