طلب أبو حنيفة للقضاء فرفض وضرب وحبس، وجمع من السلف اختفوا هربوا لما طلبوا للقضاء، هذا ما يفعله الإنسان بالنسبة لنفسه، لكن لو استشاره شخص، وقال: عُرض علي القضاء، أو اخترت للقضاء كما يفعلون الآن ماذا يقول؟ هل يقول: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) وأنا لا أريد الدخول ولا أحبه لنفسي فلا أنصحك، يقول لكل من استشاره: لا أنصحك بالقضاء؟ يعني من باب: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) أو يقول: توكل على الله وأقبل وإذا لم تقبل من أين يؤتى لنا بالقضاة؟ كيف يعطل هذا الأمر، وهذا المرفق العظيم؟ وهل هذا يخالف الحديث؟ المشورة تنبني على صلاحية المستشير وعدم صلاحيته، فإن كان صالحاً للقضاء فالمصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة فيشار عليه بأن يقبل، وإن كان غير صالح فيشار عليه أن لا يقبل؛ لأن مثل هذا يعتريه ما يعتريه، لو جاءك شخص يستشيرك قال: إنه اختير للقضاء فهل تشير عليه بما تحب لنفسك من السلامة والعافية التي لا يعدلها شيء؟ أو تقول: أقبل القضاء، وإذا لم تقبل أنت والثاني والثالث من زملائك ونظرائك فمن أين يؤتى للمسلمين بمن يحل مشاكلهم وخصوماتهم؟ نقول: المصلحة العامة مقدمة على الخاصة، وأنت حينئذٍ لم تخالف الحديث ((حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) لأنك قدمت، نعم ارتكبت ما ارتكبت من شيء من المخالفة، لكنه في سبيل تحصيل مصلحة عليا، وارتكبت ضرراً لكنه في مقابل ضرر أعظم منه، ارتكاب أخف الضررين أمر مقرر في الشرع، وطلب أعلى المصلحتين أمر مقرر أيضاً، فالمصالح العامة مقدمة على الخاصة.