ويحتاجون إليه، هذه من أوجب الواجبات عليه، لكن افتُتح بلد من بلدان الكفر فاحتيج إلى قاضٍ يؤتى به من بلد آخر ليقضي بينهم، كما أرسل النبي -عليه الصلاة والسلام- علياً، وأرسل أبا موسى، وأرسل معاذ، وأرسل ... إلى الجهاد، يفتون الناس، ويقضون بينهم، في بلد من بلدان المسلمين ناءٍ، والعلم فيه عزيز، والغربة فيه مستحكمة، وإن كانوا في الأصل مسلمين، يعني جاءنا من الأقطار ومن الآفاق من هو مفتٍ، أو نائب مفتٍ، تجد أولويات العلوم يفتقدونها، لكن هم أمثل القوم بالنسبة لقومهم، فينظر في هذا الأمثل فالأمثل، إذا كانت الذمة تبرأ بمن دونه بمن دون الأمثل تجوز ولاية المفضول مع وجود الفاضل، هذا ما في إشكال، لكن إذا كان هذا الدون لا يكفي تعيّن على الأمثل أن يقضي بين الناس، وأن يفتي الناس، هذا الأمثل الذي يؤنس من نفسه الأهلية للفتوى والقضاء يتعين عليه ويأثم إذا رفض، لكن إذا لم يطلب منه، ويرى أن هذا الشخص الذي اتجهت إليه الأنظار لا تبرأ الذمة به، هل عليه أن يطلب؟ وليس له أن يرفض إذا طلب، لا يجوز له أن يتخلف، لكن إذا لم يُطلب ويعرف هذا الشخص الذي اتجهت إليه الأنظار لا تبرأ الذمة به، ويحصل بسبب توليه الفتوى أو القضاء الضلال والإضلال، بعضهم يقول: يتعين عليه أن يخبر عن نفسه، ولا تبرأ ذمته بمجرد السكوت، ولا يمكن أن تطلب السلامة بمثل هذا، هذا قاله جمع من أهل العلم، بل عليه أن يعرض نفسه أو يُعرض، ومن هذا قول يوسف {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ} [(55) سورة يوسف] وإلا فالأصل أن الإنسان لا يعرض نفسه لهذه الأمور، لكن إن طُلب منه ولا يوجد بل تعين عليه لا يوجد غيره ممن يقوم بهذا الأمر وتعين عليه لا يجوز له أن يتخلف، الآن النصوص التي جاءت في هذا الباب من التحذير من الدخول في الولايات ((يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة)) ((القضاة ثلاثة)) و ((من تولى القضاء فقد ذبح بغير سكين)) وغير ذلك من النصوص، هذه النصوص لا شك أن فيها التحذير من القضاء، فإذا تعين على الإنسان فلا يجوز أن يتخلف، ومن باب ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) قد يتورع الإنسان عن القضاء، وقد فعله كثير من السلف، طُلب مالك للقضاء رفض،